إله الأشياء الصغيرة *

ثقافة 2024/04/21
...

  ترجمة: كامل عويد العامري

أروندهاتي روي، المولودة في كيرالا عام 1961، هي مهندسة معمارية وروائية. اشتهرت بتفانيها في السلام، والنسوية، ومناهضة العولمة. راحيل وإيستا توأمان، لكن على الرغم من وجود عائلة محبة وغريبة، يحدث حدث لا يصدق يفقد الطفولة ألقها. في الهند المصابة بشرذمة الطبقات الاجتماعية والطوائف والصراعات السياسية، نشاهد عالم الكبار الذين يتظاهرون بالأدب بتحدي المدهش من خلال نظرتي طفلين مليئتين بالخيال.
لم تتوقف الناشطة والكاتبة الهندية أرونداتي روي عن محاربة الحتمية بجميع أشكالها. ففي عام 1997، صوّرت روايتها الأولى "إله الأشياء الصغيرة" مرض التصلب المتعدد في الهند. فالنظام الطبقي، وعنف الحركة الشيوعية، والتبعية للثقافة الأنجلوسكسونية، والنزعة الذكورية machisme، والفقر كلها أمور تعصف بمجتمع لا تزال العلاقات الإنسانية فيه محكومة بقوانين لا إنسانية.
في مواجهة غطرسة البالغين والتاريخ، تقف روي مع أضعف الناس، أولئك الذين لا صوت لهم، والذين يدفعهم شعورهم بالعجز إلى الاهتمام بالأشياء الصغيرة في الحياة، بالسخرية والمداعبات، والألعاب المملة والحيوانات المكسورة. إن رواية "إله الأشياء الصغيرة" - جائزة بوكر الأدبية سنة 1997- تجسد صوت طفلين، الشابة إيثا إيبي وتوأمها راحيل، وذلك بالتحديد لأن عائلتهما وبلدهما والتاريخ نفسه يسعى لاسكاتهما.
كل شيء يبدأ في عام 1969 في أيمينيم، بلدة صغيرة في ولاية كيرالا الهندية. يعيش التوأمان مع والدتهما أمو (أرملة زوج كان عنيفًا ومدمنًا على الكحول)، وجدتهما ماماتشي، وعمهما تشاكو (قارئ متعطش وشيوعي متحمس)، وعمتهما الكبرى بيبي كوتشاما (مغرمة بكاهن رفضها، كانت مرارتها وغيرتها قد سببت بلاءً للعائلة).
خلال العطل، تستقبل عائلة "إيبي" زيارة من زوجة "تشاكو" السابقة، "مارغريت"، وابنتها "صوفي مول"، ابنة عم التوأمين. كلاهما بريطانيتان. تنقلب حياة إستا وراحيل رأسًا على عقب خلال الأسابيع القليلة هذه. تكتب روي: " ظهرت الحواف، والحدود، والتخوم، والنهايات القصوى، كمجموعة من العفاريت في أفقي حياتهما الخاصتين". في سن الرشد، يمر إستا وراحيل بسلسلة من الأحداث المؤلمة، وفي مقدمتها وفاة اثنين عزيزين وتفكك الأسرة المفككة أصلاً.
وفي طريقهما إلى المطار مع والدتهما وخالهما وخالتهما الكبرى، يحضر التوأم مظاهرة شيوعية تتعرف خلالها آمو على فيلوثا المنبوذ بين المناضلين وتشعر بانجذاب خطير نحوه. تدور أحداث رواية "إله الأشياء الصغيرة" على خلفية تناقضات ثورة الناكساليت التي يُفترض أنها سلمية، والتي أغرقت البلاد في فوضى دائمة: "قبل أن ينتهي العام، انتهت الفترة السلمية للثورة اللاعنفية"؛ "لم يكن هناك سوى الإضرابات وأعمال الشغب والوحشية السياسية من أقصى الدولة إلى أقصاها".
في وقت لاحق، عندما تتوقف العائلة في السينما لمشاهدة فيلم "صوت الموسيقى"، يتعرض إستا للتحرش الجنسي خلال فترة الاستراحة من قبل بائع البرتقال الذي يأخذه إلى غرفته الخلفية لبضع دقائق. لا يتجرأ الطفل على قول أي شيء، لكن توأمه راحيل تدرك أن شيئًا فظيعًا قد حدث للتو. في طريق عودتهما من المطار مع صوفي مول، ابنة عمهما، يعثر الطفلان على قارب قديم ويستخدمانه للإقامة في منزل مهجور "بيت التاريخ" (وهو ملكية سابقة لمستعمر إنجليزي أصيب بالجنون)، حيث يعتقد إستا أنه سيكون في مأمن من "الرجل بائع البرتقال". ولسوء الحظ، ينقلب القارب أثناء العبور وتغرق صوفي مول. ويتمكن التوأم من الوصول إلى الشاطئ.
وفي الوقت نفسه، علمت عائلة إيبي أن آمو والدة التوأم على علاقة غرامية مع فيلوثا المنبوذ الذي يعمل نجارًا في معمل ماماتشي. تُحبس المرأة الشابة وتذهبت العمة الكبرى بيبي كوتشاما على الفور إلى مركز الشرطة. "تعبر فرقة من رجال الشرطة نهر ميناتشال، وقد انتفخت وأثقلتها الأمطار الأخيرة. تذكرنا الألقاب بالألقاب التي اختارها رومان غاري لرجال شرطة ليدي إل: "الأدب، الطاعة، الولاء، الذكاء، المجاملة، الكفاءة".
قام رجال الشرطة الستة المكلفين بالقبض على المنبوذ بضربه. لا يعلمون أن المذبحة تحدث أمام أعين التوأم المذهولة اللذان لجئا إلى مكان يبعد بضعة أمتار. تنقل الكاتبة بعناية فائقة عنف المشهد الذي لا يطاق: "يسمعان صوت الخيزران البليد على الجسد. وصوت الحذاء على العظام. وعلى الأسنان."
تصور رواية إله الأشياء الصغيرة رعب العنف الذي غالبًا ما يُكتم عليه أو التهوين من شأنه. ليس فقط الشرطة، ولكن أيضًا المفتشين والنشطاء الشيوعيين مثل الرفيق بيلاي الذين يسعون إلى تبرير وحشيتهم. يقول بيلاي: "كانت هذه مجرد عواقب لا يمكن تجنبها لسياسة ضرورية" (استخدام الأحرف الكبيرة في بداية كل كلمة ليشير إلى تفخيم نفاقه). وينطبق الأمر نفسه على المفتش ماثيو، الذي تخاطبه آمو ويستغل الموقف لإذلالها. "يبدو أن المفتش ماثيو كان لديه غريزة في معرفة من يمكنه استهدافهم وأولئك الذين كان لا يستطيع أن يفعل شيئا ضدهم. إن لدى ضباط الشرطة غرائز من هذا القبيل."
ومرة أخرى، تستلهم روي الإلهام من الأحداث اليومية في المجتمع الهندي، حيث تعد انتهاكات الشرطة أمرًا شائعًا. فوفقًا للجنة الوطنية لحقوق الإنسان، لقي أكثر من 3,000 شخص حتفهم اثناء احتجازهم لدى الشرطة الهندية بين عامي 2017 و2018.
وهناك جريمة أخرى مثيرة للغضب تختتم بها روي روايتها. يكتشف رجال الشرطة وجود الطفلين ويقتادونهما إلى مركز الشرطة، حيث تجبرهما عمتهما الكبرى بيبي كوتشاما على الكذب لاتهام فيلوثا بالاختطاف -حيث إن الإنسان المنبوذ لم يكن موضوع شكوى، يُقبض عليه ويعتقل بشكل غير قانوني. -  واختير إستا لتحمل مسؤولية شهادة الزور. ذلك العنف الجسدي الذي لا يُحتمل يقابله عنف نفسي يحطم نفسية الصبي الصغير الهشة أصلاً. ولأنه كان وحيدًا مع السر الرهيب المتمثل في الاعتداء الجنسي الذي لم يجرؤ على الإفصاح عنه، اضطر إلى الكذب بشأن جريمة لم تحدث أبدًا. بعد بضعة أشهر، يغرق إستا في صمت لم تستطع حتى توأمته إخراجه منه. و"على مدى السنوات القليلة التالية، كانا يعيدان هذا المشهد مرارًا وتكرارًا في رؤوسهما. كأطفال. ومراهقين. وبالغين. هل خدعا ليرغما على التصرف بالطريقة التي فعلاها؟
بعد طردها من العائلة، تموت آمو في غرفة فندق بائسة.
وتُبعث راحيل للدراسة في الخارج. تتزوج من أمريكي قبل أن تعود إلى بلدها الأصلي. وفي عام 1993، بعد ثلاثة وعشرين عامًا من الأحداث، تجد راحيل توأمها الصامت. ومعًا، يستعرضان الأشياء التافهة التي لا تزال موجودة في منزل العائلة، وهي بقايا طفولتهما المحطمة. ونظرًا لعدم القدرة على إيجاد الكلمات، يتواصلان عبر العناق الجسدي لينقلا آلامهما وحبهما لبعضهم البعض.

تحرر من الذنب المميت
"جاءت شياطين التاريخ لتطلب حقوقها. لتلفهما مرة أخرى ببشرتهما القديمة الممزقة، لتعيدهما إلى حيث كانت حياتهما. حيث تنص قوانين الحب من يجب أن يكون محبوبًا. كيف. وإلى أي مدى." من خلال سرد حب محظور، تستجوب رواية أروندهاتي روي عيوب مجتمع تسوده عدم المساواة والعنصرية. والمسؤول الأكبر هو التاريخ نفسه، حيث تضغط تحولات التاريخ الكبيرة الضخمة على مصائر وأحلام الأفراد تحت وطأة صدمات الماضي.
يُقدم لقاء آمو وفيلوثا تحديًا للتاريخ وأوامره ووصاياه.  لقد "تصادمت قرون بأكملها لتلتقي في لحظة فريدة عابرة. لقد فوجئ التاريخ بفقدان مكانته. ورُفض كجلد ثعبان قديم. وتلاشت فجأة العلامات والندوب والجروح التي خلفتها الحروب القديمة والحقبة التي كان على البعض فيها المشي إلى الوراء." خلال الثلاثة عشر ليلة التي يقضيانها معًا في الغابة، تلتزم آمو وفيلوثا بـ "الأشياء الصغيرة" في الحب ولا يتحدثان أبدًا عن التهديد الذي يواجه اتحادهما. و"مرة أخرى، حيث لا يمكن التحدث سوى عن الأشياء الصغيرة. ظلت الأشياء الكبيرة الكامنة في الداخل غير معبر عنها. "
تمثل العلاقة الرومانسية المحرمة بين آمو وفيلوثا أيضًا تمرد كائنين يرفضان التفكير كما يُفرض عليهما ويتحديان، بعضا من الوقت، الشعور بالذنب الذي يهيمن على كل شيء. وفي مواجهة قبضة التاريخ، سواء العائلي أو الوطني، يفتح الحب والكتابة ثغرات صغيرة من الحرية. " لقد تسلل الجنون إلى صدع في التاريخ." ومن هنا يضاعف السرد، المجزأ مثل حياة أولئك الذين تصورهم، من الاسترجاعات والاستباقات لوصف اللحظات الهشة من الحرية المنتزعة من الحياة اليومية.
بالنسبة لأرونداتي روي، فإن كتابة الرواية هي بمثابة خوض معركة سياسية، حيث تندد باستمرار بالنظام الطبقي في الهند على الرغم من المادة 15 من الدستور التي تحظر كل تمييز على أساس الطبقة الاجتماعية. في الثقافة الهندية، يجب التمييز بين الطوائف الأربعة المقدسة في الديانة الهندوسية، والتي تتوافق مع الوظائف داخل المجتمع، من الكاهن "البراهمي" إلى الخادم "الشودرا"، وبين الطوائف العلمانية، التي جعلتها الإمبراطورية البريطانية رسمية أثناء الاستعمار، والتي تهدف إلى وصم فئات معينة من السكان بشكل علني بسبب مولدهم أو لون بشرتهم. وقد سارع غاندي إلى التمييز بين هاتين الطبقتين ورفض المفهوم العنصري الصريح عن "المنبوذين". "إننا نعلن عن قناعتنا بأن النبذ ليس فقط جزءًا لا يتجزأ من الهندوسية، بل هو آفة من واجب كل هندوسي أن يكافحها".
كانت هذه الآفة لا تزال قائمة في عام 1997، عندما كتبت روي روايتها الأولى: لم يكن مسموحًا لـ"المنبوذين" بتناول الطعام أو الشراب في الأماكن نفسها التي كانت ترتادها الطبقات الأخرى، وكان أقل اتصال جسدي مع أحد أفرادها قد يكلفهم حياتهم. إن مصطلح "المنبوذين" في حد ذاته مصطلح غامض: فشخصية فيلوثا (الذي يعني اسمه للمفارقة "الأبيض"، على الرغم من أنه ذو بشرة داكنة بشكل خاص) تجمع بين العمل اليدوي الذي يعتبر مهينًا ولون البشرة الداكن. وتؤكد أرونداتي روي على تفاهة العنصرية في المجتمع الهندي في فجر القرن الحادي والعشرين.
" إن العنصرية هي الشكل الأكثر انحطاطًا وبدائيةً ووحشيةً من أشكال النزعة الجماعية. فالعنصرية تعترف بجماعة ما وتنسب فضائلها أو عيوبها، وتفوقها أو دونيتها إلى أصلها العرقي. لكن لا يوجد سوى عقول فردية وإنجازات فردية"، كما كتبت الروائية الأمريكية آين راند، مسترجعةً كرامة الإنسان التي لا يمكن تغييرها. لم تتوقف آين راند، التي عانت في طفولتها من ويلات الشيوعية، عن تذكيرنا في روايتها (حينما هز أطلس كتفيه) -التي صدرت عام 1957. وهي رابع وآخر روايات راند، وأطولهن كذلك، وتعتبرها راند تحفة فنية في عالم الخيال الأدبي - أو روايتها الأولى "نحن، الأحياء"، التي نشرت عام 1936. بضرورة إعادة تركيز كل عمل وكل القرارات حول الفرد.
عندما تقرأ كتاب رند "فضيلة الأنانية" تصُعق لأول مرة بجوهر العنصرية باعتبارها نفيًا للفرد وإنكارًا له، وهكذا في رواية " أله الأشياء الصغيرة، لم تكن مكافحة العنصرية مبررة فقط بمُثُل العدالة والإنسانية، ولكن أيضًا وبشكل أساسي بالحرية الفردية، حيث إن كل شخص حر في التفكير والعيش خارج أي بنية جماعية، وأي مجتمع، وأي جوهرية.
اختر هويتك
ربما يكون رفض الإقامة الجبرية، مهما كانت، هو ما يجمع بين الروائيتين آين راند وأرونداتي روي. فالصفحات الأخيرة من رواية "النبع الحي" لآين راند هي مناشدة نابضة بالحياة من أجل الحرية الفردية.
في أثناء محاكمته بتهمة تدمير مبنى كورتلاند، الذي صممه بنفسه، يطالب المهندس المعماري هوارد روارك بحرية الابتكار والإبداع، بعيدًا عن رموز الكلاسيكية. (وهوارد روارك هو بطل الرواية مهندس معماري شاب مؤمن بالفردانية يصمم المباني الحديثة ويرفض التسوية مع مؤسسة معمارية ومعارض لقبول الابتكار.
يُجسد روارك ما كانت راند تعتقد أنه الرجل المثالي، وصراعه يعكس معتقد راند بأن الفردانية أسمى من الجماعية.)
ويدعم روارك مديحه للفردية بمديح الفكر الحر: "لا يمكن للإنسان أن يعيش على الأرض إلا بالتفكير"؛ "العقل سمة فردية. لا يوجد شيء اسمه عقل جماعي"؛ "ما لا يستطيع إنسان أن يمنحه إنسان آخر هو القدرة على التفكير بنفسه". بمعنى من المعاني، فإن نداء روارك يمهد لمناشدة أرونداتي روي في معركتها ضد الحتمية التاريخية وما ينتج عنها من تبعية نفسية. "لا شيء يمكن أن يحل محل الكرامة الشخصية. ولا كرامة شخصية من دون استقلالية"، كما تصر آين راند. "الحق الأول للإنسان هو الحق في أن يكون هو نفسه. وأول واجب للإنسان هو واجبه تجاه نفسه.
في عدة مناسبات، تسلط أرونداتي روي الضوء على الآثار اللاحقة للاستعمار البريطاني على العقليات الهندية. فتكتب عن العم تشاكو الذي اختار الزواج من امرأة إنجليزية أثناء دراسته في أكسفورد: "لقد وضع عقله في حالة جعلته يحب الإنجليز". وعندما تزوجت مارغريت، رفض والدها حضور الحفل. كان يكره الهنود الذين وجدهم مخادعين وغير أمينين. لم يصدق أن ابنته تتزوج من أحدهم. لا تتوقف أرونداتي روي عن إظهار العار الذي يطغى على شخصياتها ببساطة بسبب هويتهم التي تخفيها ذاكرة الاستعمار وتشوهها في آن واحد بسبب ظهور العولمة: لقد "وضعوا على الطريق الخطأ منذ البداية، وانقطعوا عن ماضيهم، ولم يتمكنوا من تتبع خطواتهم لأن آثار أقدامهم قد مُحيت".
يتجلى ذلك من خلال المنزل الغريب الذي اختار التوأم اللجوء إليه، وهو "بيت التاريخ" الذي كان يملكه مستعمر إنجليزي يعاني من الخرف، وقد تحول إلى "فندق تراثي" في التسعينيات. في المرة الأولى التي يكتشف فيها الطفلان المنزل، يشرح لهما عمهما "تشاكو" أن الدخول إليه ممنوع. وبسبب حرمانهم من التاريخ الذي يمكن أن يتعرفوا عليه، فإن شخصيات روي محكوم عليها بالبقاء خارجه، ويوضح تشاكو: "لا يمكننا الدخول، لأننا لم نعد نملك المفتاح [...]. وعندما نحاول الاستماع، كل ما نسمعه هو همسات لا نستطيع فهمها لأن الحرب غطت على عقولنا. حرب ربحنا وخسرنا فيها. حرب من أسوأ أنواع الحروب، تلك الحرب التي تستولي على أحلامنا وتصوغ أحلامًا جديدة. حرب أغرقتنا في عشق المنتصرين واحتقار أنفسنا."
تحمل رواية "إله الأشياء الصغيرة "رائحة التاريخ، رائحة الورود الذابلة التي تحملها الريح" وحتى عنوانها يخفي جرح عقدة النقص الثقافية التي تميز المجتمع الهندي بالنسبة لروي: "لقد عُبث بأحلامنا"، "ولن تكون أحزاننا كبيرة بما فيه الكفاية […]. حياتنا لن تكون مهمة بما فيه الكفاية أبدًا". ومن هنا جاءت التلميحات المتعددة إلى الثقافة الأنجلوسكسونية، سواء في السينما ("أعلن شاكو أن الذهاب لمشاهدة فيلم "صوت الموسيقى" كان يكشف عن حالة ميؤوس منها من الهوس الإنجليزي") أو عندما تقرأ الطفلة كوتشاما شكسبير في المطار في محاولة لإثارة إعجاب ابنة أختها. في المقابل، تنثر الكاتبة في روايتها إشارات إلى الثقافة الهندية وأساطيرها وتقاليدها، وتلك "الأشياء الصغيرة" التي تشكل في مجملها هوية يعاد بناؤها، صفحة بعد صفحة، من خلال الكتاب.
في مواجهة حتمية التاريخ الأحادي، الذي يستعبد تأثيره كل أولئك الذين لا يملكون الكلمات لاستحضار قصتهم الخاصة، تستحضر أرونداتي روي تعدد وجهات النظر وحرية كل شخص في تأكيد روايته للحقائق، بعيدًا عن فرضها بالخطب والإملاءات.

• فصل من كتاب
(الروايات العظيمة التي علمتنا)