وسيط موثوق

العراق 2024/04/21
...

أحمد عبد الحسين

اختتم رئيس الوزراء أمس زيارته إلى أميركا في ظرفٍ إقليميّ أقلّ ما يمكن أن يقال عنه إنه مضطربٌ وينذر بمزيد من الاضطراب. يكفي للدلالة على ذلك أن نستذكر بأن السيد السودانيّ وصل إلى واشنطن عشية الضربة "الإسرائيلية" على منشآت بأصفهان الإيرانية، وعاد إلى بغداد بعد ساعات من تفجيرات حدثتْ في مقارّ للقوات العراقية في بابل.
الصخبُ والعنف لا ينقطعان عن هذه المنطقة، ومصدرهما دائماً وأبداً الاحتلال الصهيونيّ وما يرتكبه من كوارث غير مسبوقة في التاريخ بحقّ الفلسطينيين في غزة. وفي ظلّ هذا المشهد القلق جاءت زيارة السوداني إلى واشنطن كاشفةً عن أهلية العراق ـ برغم كل المعرقلات ـ لتأدية دور الوسيط القادر على خفض التوتر، ونزع فتيل الأزمات وجعل الفرقاء قادرين على الالتقاء على أمر سواء.
ما جرى خلال الزيارة أوضح بأن الإدارة الأميركية تتعاطى مع العراق باعتباره ليس جزءاً من مشكلات المنطقة بل هو يصلح لأن يكون مفتاحَ حلّ لهذه المشكلات، فطبيعة علاقته الوثيقة مع إيران، تقابلها وتناظرها علاقته مع أميركا، وهي علاقة اتخذتْ بفضل الزيارة الأخيرة منحى جديداً يجعلها علاقة شراكة ستراتيجية شاملة بعد أن كانت مقتصرة على الجنبة الأمنية فقط.
هذا التوازن المتحقق برغم صعوبته هو الذي يضع العراق طرفاً ثالثاً مقبولاً من الطرفين لحلّ أزمة إقليمية كبرى إن لم تجد لها وسيطاً عاقلاً فهي مرشحة لأن تغدو احتراباً يتجاوز المنطقة إلى العالم القابل للاشتعال أكثر من أي وقت مضى.
إذا كانت هناك من دولة أسهمتْ في تقريب وجهات النظر بين إيران وأميركا، أو بين إيران والدول المحيطة بها، طوال أكثر من عقد من الزمن فليس لهذه الدولة اسم سوى العراق. وتأكد هذا الدور جلياً في الأيام القليلة المنصرمة أثناء زيارة السوداني لواشنطن. فهي رسختْ صورة العراق الجديدة باعتباره جسراً يصل بين الضفاف المتنافرة بعد أن كان طوال عقود طرفاً في نزاع أو بقعة لترحيل المعضلات.
إن نشاطاً توسطياً كهذا لا يكون مدوّناً في الجدول الرسمي للزيارة، ولن تتناقله وسائل الإعلام باعتباره خبراً عاجلاً لكن المطّلع على الصورة العامة لما يجري في المنطقة يعرف أنّ هذا الدور أساسيّ وقد شغل مساحة مما قام به السودانيّ في زيارته.
ما أُنجز خلال زيارة واشنطن كثيرٌ سياسياً واقتصادياً وأمنياً، لكنّ هذا الدور العراقيّ الخافض للتوتر يقف في مقدمة ما أسفرتْ عنه زيارة السوداني.