فاسيلي كاندينسكي.. ما الشكل المميز في رسمه؟

ثقافة 2024/04/23
...

 خضير الزيدي

في مقالها الموسوم "الإدراك والاستجابة للأشكال البصرية" تشير لورا اتش تشابمان وهي مختصة في تعليم الفنون التشكيلية بأن القدرة على الاستجابة للأعمال الفنية والبيئة البصرية ليست ببساطة، وتعد عملية الاستجابة للأشكال معقدة وتحتاج لعناية فائقة وقد ينطبق مثل هذا التوصيف على منجز الفنان العالمي فاسيلي كاندينسكي، ذلك الفنان الذي أبهر بمنجزه الجمالي الغالب ممن وقف متأملا أمام لوحاته التجريدية. فلقد بقيت أعماله ذات طابع تجريدي تنساق فيه قطع الأشكال إلى مصدر لإنتاج ما يسميه بالموسيقى وتقاسم قطعها وأوصالها. فعملية بناء لوحاته تعتمد على عملية تمثيل الأشكال ضمن ارتباط لبنية ألوان واتزان في مقاربة الخطوط والحركات وتنوعها في بنية العمل الواحد. وعليه فأن سمة الجمال الفني في منجزه جاء جراء تلك التعاليم والذرائع الشكلية التي تبناها وحاول أن يستلهم فيها قدرة الفعل الموسيقي لتبدو الفكرة والتعامل معها ليس بالهينة، لاعتمادها على الذائقة والإحساس في المقام الأول وبما يتحدد فيها من حركة واستمرارية عكس ما يتطلب من توتر أو عنصر جدل.
إننا هنا أمام قواعد تحدد لنا درجات الجمال الشكلي بناء على تلقي وفهم الجمال الموسيقي، وستكون نظرية الشكل الفني مبنية على الإحساس والاعتقاد لتؤدي وظيفة جمالية وبصرية لا تعبر عن تضاد إنما عن انسجام تتجلى فيها كثافة الشكل في تجانس وتعامل لكيانات جاءت عبر الخطوط والأشكال الهندسية كالدائرة والمربع والمثلث على نحو يحيطنا بأعمال لها مسارات شكلية ذات قواعد وبناء صارمة. فصياغة الخطوط مبنية بشكل متوازن وذات علاقة مفتوحة، كأنها متدربة على الانسجام والاتضاح.
 وهذا الاهتمام يتولد نتيجة معيار الوعي وفهم الفن ومبتغاه بما يشعرنا بأن مقدار طاقة اللون وفكرة العناصر البصرية والاتزان بين وحدة الأشكال، هي في درجة استقرار من التكوينات التي انشئت من ضمن تساوي ومعادلات بصرية. إنه انتظام متتبع يأتي جراء التطابق مع علاقة الايقاع والتجاور واتجاه الحركة الألوان المكونة لعمله والذي جاء من خلال الخطوط المستقيمة والمنحنية والمربعات والمثلثات والدوائر وكأن كل تلك الأشكال ذات نهج عقائدي مرسوم له بدقة ودراية في هذا المشروع، ولكن يبقى التساؤل مطروحا ما المميز في أشكاله؟
أهم ما في عمله أنه قابل للتأويل من خلال درجات الجذب وذات طابع هندسي تتحكم فيه الخطوط والدوائر، وخاضع لدفعات من الشحنة الجمالية بما يبقي عمله في تحول بصري من جهات عدة، وعليه سيكون تدرج عناصر العمل في مثال حي وتنوع لزوايا النظر المختلفة. والأمر الملفت كيف يتم له كل ذلك، إذا لم تكن فكرة المغامرة حاضره في اعتقاد الفنان؟
يذهب بول كليه في كتابه "نظرية التشكيل" إلى الاعتقاد بأن الفوضى هي الابسط، ويعدها حالة من فقدان النظام بين الأشياء على عكس ما عمل عليه كاندينسكي من تأكيد، إذ يقول في كتابه "نظرات عن الماضي" بأن "الرغبة الداخلية للفنان هي التي تحدد الشكل، وأن الانفصال بين مجال الفن ومجال الطبيعة يقوى يوماً بعد يوم، حتى أنني أرى أن كلاً منهما منفصل تمام الانفصال عن الآخر. لقد علمت أن موضوعات الطبيعة كانت تفسد رسوماتي".
إذن هناك فكرة مغامرة وفكرة هجران لمفاهيم الرسم التقليدية بما يعتبره تحولا في بناء الأشكال وتمثيل أعلى مستويات التقنية في الرسم، وهنا يكمن الامتياز الذي تحقق على يديه، وعليه سيكون الشكل المميز مبنيا على فكرة انجذب إليها من خلال دراسته للموسيقى، وعرف كيف يمزج بين الرسم وطاقة الاحساس المتولدة من سماع الموسيقى.