مهرجان المسرح المدرسيّ العراقي.. مُقاربة نقديَّة

ثقافة 2024/04/23
...

  د. بشار عليوي

يُعد المسرح المدرسيّ واحداً من أهم ركائز المسرح العراقي، فهوَ المنجم الحقيقي الذي لطالما رفدَ الساحة المسرحية بالطاقات والمواهب المسرحية الواعدة والتي شَكَلّتْ علامات مُضيئة في مسرحنا العراقي، ففي الدورة الأخيرة لـ "مهرجان المسرح المدرسي العراقي للمرحلة الثانوية” ثمةَ تنوعاً على مُستوى الرؤى والأساليب الإخراجية المُتبناة وهذا التنوع أضافَ الكثير لهذا المهرجان الذي نظمتهُ المديرية العامة للتربية الرياضية والنشاط المدرسي بوزارة التربية للفترة من 3- 5/4/2024 على مسرح النشاط المدرسي في مدينة كربلاء بمُشاركة 13 عرضا مسرحيا مدرسيا انتاج أقسام النشاط المدرسي في عموم مديريات التربية، وهي "الوهم" لتربية البصرة تأليف عمار نعمة جابر، واخراج لميس كامل، و"المهرج والشيطان" لتربية كربلاء تأليف عمار نعمة، واخراج قحطان الأمير، و"حُرية نصب" لتربية الرصافة الثانية تأليف مهند علي محسن، واخراج خضر عبد خضير، و"قطعة خشب" لتربية ذي قار تأليف عباس منعثر، أخراج أحمد شنيار، و"المَهَمَة" لتربية الرصافة الثالثة تأليف وإخراج رعد معن، و"موجز الأبناء" لتربية الرصافة الأولى تأليف سعد هدابي، واخراج راضي داوود، و"الترياق" لتربية كركوك، تأليف مهند إسماعيل، اخراج زيد سعدي، و"موجز الأبناء" لتربية نينوى تأليف سعد هدابي، واخراج حازم جلال، و"صراع الأضداد" لتربية الكرخ الثالثة تأليف: عبد العزيز الحبيب اخراج براق السيد، و"النجم الثاقب" لتربية الكرخ الثانية تأليف د.جبار خماط، واخراج فاطمة كريم فرج، و"رحيل الملائكة" لتربية ديإلى توليف وإخراج مشتاق الخدران، و"وطالت المسرحية" الكرخ الأولى تأليف طارق الطيب، وإخراج احمد شوقي، و"اطفائي جهنم" لتربية واسط تأليف علي عبد النبي الزيدي وإخراج أحمد نجم.  شهدَ المهرجان تقديم عدد من العروض التي أكدت على أهمية حضور المسرح المدرسي في العملية التربوية تحقيقاً للفلسفةِ التربوية وأهدافها المُعلنةِ في بناءِ شخصية الطالب بوصفهِ نواةً للإنسان العراقي الغاية والهدف، وكانَ المهرجان فريدا من نوعهِ لناحية تقديم عروض شارك في صناعتها طلبة وطالبات على حدٍ سواء وهوَ ما يُشير إلى ما يتمتع بهِ الطلبة وأساتذتهم وكذلك إدارات أقسام النشاط المدرسي في المديريات العامة للتربية في بغداد ومُختلف المحافظات العراقية من وعي معرفي وفني وتربوي عال ومسؤولية تربوية خَلّاقة مؤكدينَ حَرصِهم وتفانيهم في هكذا مهرجان مُخصص للمسرح المدرسي العراقي لطلبة وطالبات الثانوية عِبرَ السيدِ النبيل المسرح.  
أفرَزَتْ عروض المهرجان العديد من المواهب والطاقات المسرحية الطلابية التي ستُشكِل علامات فارقة ومُضية في سماء مسرحنا العراقي، فالمسرح المدرسي هوَ المنجم الحقيقي لبناء وصيرورة واكتشاف هذهِ الطاقات والمواهب المسرحية شريطة الاهتمام الجِدّي فيها، ففي عرض "حُرية نُصب" للمخرج خضر عبد، والذي يتخذ من "الأنسنة" سمتاً رؤيوياً للاشتغال الصوري لمتون العرض عبرَ إعادة تفكيك رموز نصب الحُرية بوصفهِ واحداً من أهم شواهد العصر في العراق مُحاولةَ للتعريف بأهم فناني العراق بالتحاتيث مع اشتراطات المسرح المدرسي، وكانتْ اشتغالات المخرج الصورية واضحة في ضبط إيقاع العرض بالتساوق مع الالتماعات الأدائية التي قدمها الطلبة المؤدون. وفي عرض "موجز الأبناء" للمخرج راضي داوود فقدَ عَمِدَ المُخرج إلى إستثمار معمارية الفضاء المسرحي المُتاح أمامهُ وتطويعه وفقاً لرؤيتهِ الاخراجية التي تبناها مُحاكاة لبيت يضم عدد من الأبناء عبرَ تقديم موجزاً لتربيتهم كإستعارة عن الوطن بوصفهِ البيت الكبير وقد نجحِ في هذا حينما قامَ بتأثيث هذا الفضاء وجعلهِ فضاءً درامياً يعج بالعلامات الدالة على تبديات خطاب العرض. أما عرض "النجم الثاقب" للمخرجة فاطمة كريم فرج، فأفصحَ عن ولادة مُخرجة مسرحية عراقية عارفة بأدواتها الاخراجية واشتغالاتها الرؤية حينما قَدمتْ عرضاً تكاملتْ فيهِ عناصر العرض المسرحي المدرسي على صعيد الأداء التمثيلي للطلبة والطالبات وأنساق سينوكرافيا العرض في الديكور والأزياء والإضاءة، فضلاً عن مُخرجات النص الدرامي الذي ارتكن عليهِ هذا العرض الجمالي والفكري المُتقن الصنعة في الحديث عن مآلات الخيال العلمي والتأثيرات المعرفية على سلوك الأبناء. وكانَ عرض "صراع الأضداد" للمُخرج بُراق السيد، مُختلفاً عن مُجمل عروض المهرجان حينما قَدمَ لنا عرضاً كوميدياً ذا مدلولات معرفية واضحة مُتخذاً من "الأنسنة" سمتاً دلالياً لهُ وهوَ يتحدث عن الخنوع الخضوع من قبل العامة "الفئران" اتجاه الحاكم "القط الكبير" وقد تحققت في هذا العرض مُجمل عناصر العرض المسرحي المدرسي. أما عرض "قطعة خشب" للمخرج أحمد شنيار فقد حفِلَ بالعديد من التحولات الدلالية لقطعة الخشب التي بالإمكان استخدامها في مآلات الخير والشر على حدٍ سواء إتكاءً على أنسنتها بشكل قابل لهذا التحول ثيمة العرض الأساسية.
لقدَ أفصحَ مهرجان المسرح المدرسي العراقي للمرحلة الثانوية عن طاقات أدائية مُكتنزة ومخزون تقديمي ذات أنساق رؤيوية مُتسقة مع ما أفرزتهِ العروض من مُمثلين ومُمثلات اتخذوا من الاجتهاد والمنافسة عاملاً حاسماً في تقديم أنفسهم بوصفهم علامات بارزة في المسرح المدرسي العراقي، وقد برزَ فيهم الطالب المؤدي حيدر حامد في عرض "حُرية نُصب" حينما أفصح عن امكانيات إدائية عادية على مُستوى اشتغال منظومتيهِ الصوتية والجسدية، وكذلكَ الطالب حسين لؤي في عرض "الوهم". أما الطالبات "فاطمة أحمد، روان سرمد، جمانة عباس، زينب سلام، مرج رياض" في عرض "موجز الأبناء" للرصافة الأولى فقد شَكْلّنَّ مجموعة أدائية تناسقت وتناغمت فيها جميع عناصر الأداء صوتياً وجسدياً، فيما برزَ الأخوان الطالبة جنات خالد مطرود التي أدتْ دور الأم في عرض “النجم الثاقب” باحترافية عالية وأفصحت عن إمكانيات أدائية عالية مُنضبطة تساوقاً مع أداء الطالب مصطفى خالد مطرود الذي أدى دور الإبن، وكذلك مجموعة عرض "صراع الأضداد" لارا علي واديان عمر وميرامان احمد وميسرة سليم وعسل عبد القادر ومعهم المؤدي أحمد نائل الذين أفصحوا عن امكانيات أدائية عالية، فضلاً عن الحضور المُتميز لكُلٍ من الطلبة سيف فؤاد الذي قَدَمَ مونودراما "اطفائي جهنم" ودانيا معن في عرض "رحيل الملائكة" وديما سرمد في عرض "موجز الأبناء".