يعرب السالم
تشتهرُ كل المجتمعات الدينية وغير الدينية باقتناء المسابح، وإن تعددت أشكالها وخاماتها وألوانها، فهي للتسبيح ولذكر الله وهي للزينة وهي تقدم كهدايا دليلا على التوقير والاحترام وعلو المكانة الاجتماعية بحسب البعض من مقتني السبح. لكن الذي لا يعرفه الأغلبية من الناس، أن عالم السبح عجيب وغريب وله عشاقه ومريدوه وقصصه العجيبة التي تروى عند حوانيت الانتيكات والسبح أو هواة جمعها. أما بشأن عدد الخرزات في السبحة الواحدة، فهو مختلف من شعبٍ الى آخر، وبحسب الاستعمال.
فهناك (99) خرزة أو حبة، وتوضع نيشانة أو خرزة مختلفة كبيرة كانت أم صغيرة، مختلفة اللون أو من اللون ذاته أو من المادة التي صنعت منها المسبحة. ودلالة الرقم هو عدد أسماء الله الحسنى بالنسبة لسِبح المسلمين.
والمسيحيون لهم مسابح تبلغ (33) حبة أو خرزة ويمثل الرقم عمر السيد المسيح، وتنقسم الى (3) أقسام تمثل الثالوث المقدس، حسب ما يقول أبو عادل صاحب محل للسبح في عمَّان.
وهناك سبح تتجاوز الـ(100) خرزة أو أكثر، وتختلف الخرزات في شكلها فهناك مربع ودائري وبيضوي وصغير وكبير.
وللمسابح طرائق احترافية وصعبة في العمل، وتحتاج صبراً ومعرفة ورغبة أولاً وحباً للصنعة ثانياً وقبل كل شيء.
فهي مهنة شعبية يدوية قاومت الاندثار، رغم دخول بعض الآلات الحديثة عليها إلا أنها بقيت محافظة على طقوس صناعتها وأسرارها.
ويبدأ العمل في صناعة السبحة، باختيار نوع الخامة أولاً، كأنْ تكون حجارة قديمة أو حجارة كريمة أو مادة صمغية جامدة مرت عليها سنوات وسنوات، أو بلاستيكاً أو لؤلؤاً أو ذهباً، كلها مواد تدخل في صناعة السبح، ثم تليها مرحلة التقطيع وانتقاء الحجم، وبعدها الصقل والتلميع، ثم جمع الحبات وربط الخرزات بخيطٍ خاصٍ لألوانه دلالات، ثم تضع الإمامة أو الراسية أو الكركوشة أو الشكة في بداية السبحة، وبذلك تكون المسبحة قد أنجزت.
يبقى أنْ نشير الى أنَّ تركيا والصين تتصدر الدول في هذه الصناعة، أما أنواع السبح فهي عديدة وكل شعب له فيها قصص، فمنها الكهرمان والكهرب والأكلك الصيني أو حجر الأبرودايت الطبيعي، وتعدُّ سبحة اللؤلؤ الأبيض إحدى أغلى أنواع السبح في العالم، فهي تصنع من اللؤلؤ الأبيض النادر، والذي يأتي من قناة بحرية تحمل اسم «ماري سيما» في جزر تاهيتي ويمكن أنْ يبلغ سعر سبحة اللؤلؤ الأبيض الواحد عدة ملايين من الدولارات وهي من النوادر ووجودها هو في عالم الأثرياء فقط.
كما هناك اليُسر الأسود، وسبحة خشب النارجين وهي شجرة جوز الهند، وتقول بعض الروايات إنَّ عصى موسى مصنوعة من النارجين.
أما الكهرب وهو العنبر الطبيعي وسبحة المستكة التي تشبه الكهرب، ولها رائحة مميزة.
وهناك خلطٌ في هذا الأمر فقسم يقول إنَّ مسبحة الكهرب من زيت أو دهن العنبر الذي يستخرج من الحيتان، وهناك من يقول يستخرج من شجرة صمغية تنمو في إحدى الجزر اليونانية التي تسمى خيوس، هذه الجزيرة تنمو فيها أشجار معمرة تفرز مادة صمغية تسمى المستكة، وتسمى دموع خيوس نسبة لقائد ثورة العبيد في القرون السابقة.
وهناك أنواعٌ عديدة أخرى تصنع من خشب الصندل وأنواع من أخشاب الأشجار العطريَّة، وبالذات السِبح التركيَّة ولا تكون غالية الثمن.
وهناك الفاتوران التركي الذي يستخدم في صناعة التماثيل الصغيرة، وهناك من يقوم بتحويل حجر أو خامة التماثيل الصغيرة والقديمة التي تجاوز مدة صنعها على (100) سنة الى سِبح، وهكذا تكون المسبحة ذات قيمة تاريخيَّة لقدمها ولطبيعة الحجر المصنوعة منه.
وهناك سبحٌ تصنع من العاج وكذلك هناك من عظم الجمل وبالذات في مصر.
الست وفيقة خبيرة في صناعة وتقييم السِبح تقول: «يبدو أنَّ القدم هو الذي يحدد جودة وسعر المسبحة، لكنَّ الاتفاق العام أنَّ اليسر وخشب الكوك التركي والعقيق المشجر الذي يسمى التهانا والزمرد البورمي والكهرب الألماني تعدُّ الأكثر مبيعاً، ويتنافس مع المعادن الثمينة كالفضة والذهب، كما أنَّ لون السبحة يتغير كلما تقادمت بسبب تأكسد السطح الخارجي، وهناك من يخبرك أنَّ أغلى السبح تصنع من كبد الحوت المحنط وهو نادر، وتبقى السِبح تعيش عند محبيها سلامها وجمالها في عالمٍ صاخب».