سيرة عذابات الفقد

ثقافة 2024/04/25
...

  أحمد حميد

أن تكتبَ في مجال السيرة، يعني أن تخوضَ في الجانب الوثائقي للحياة الشخصية. فالسيرة؛ سردية ذاتية وغيرية، تؤرشفُ لما مضى من حياة الفاعلين في الأطر الثقافية والاجتماعية والسياسية والرياضية وغيرها. لكن اللافت في الأمر كتابة سيرة شخصيتين لامعتين في الجانب العلمي والثقافي معاً. وذلك من خلال مجال كتابي مشترك جمع الروائي وعالم النفس الشهير آرفين يالوم، وزوجتهُ الأكاديمية مارلين يالوم، حيث اشترك الاثنان في سرديّة سيّرية مشتركة تحت مسمى (مسألة حياة وموت).  وغالباً ما تكون نتاجات الروائي آرفين يالوم، من ترجمة خالد الجبيلي، الذي ترجم للأول رواية (عندما بكى نيتشه)، و رواية (علاج شوبنهاور)، ورواية (مشكلة سبينوزا)، فضلاً عن سردية (أمي ومعنى الحياة). وأغلب النتاجات الصادرة للمترجم تكون عن دار الجمل العراقية، لكن في نتاجهِ الموسوم (مسألة موت وحياة) فكان عن دار الروافد الثقافية في بيروت، حيث ما أعلن عنهُ المترجم، رحتُ أبحث عنه في معارض الكتاب في العراق؛ فلم أجده. ومن حسن حظيّ وجدتهُ لدى صديقٍ محترف في جمع الكتب الرصينة، فأعارني إياه.  وكعادته، يريد آرفين يالوم، أن يكتبَ كتاباً منهجياً في تخصصهِ المعروف، لكن إصابة زوجته مارلين بمرض السرطان النقوي، يجبرهُ على تنفيذ طلبها في أن يكتبا كتاباً مشتركاً، يؤرخُ لحياتهما الغرامية، والزوجية لاحقاً، علاقة دامت لأكثر من 60 عاماً.
فصول الكتاب مقسمة، بين فصلٍ يكتبهُ آرفين، وفصل تكتبهُ مارلين. ولكثرةِ آلامها من العلاج الكيمياوي، وعدم الاستجابة الجسدية له، تقرر الزوجة العليلة، بعد التشارو مع الزوج ومختصين، أن تلجأ إلى الانتحار، أو ما يسمى بـ (القتل الرحيم)، وذلك على أيدي أطباء مجازين قانونياً من قبل إحدى الولايات الأميركية.
حبكة درامية قاسية لمشهد تعاطي مارلين الدواء المميت، تنهي الجرعة الأولى جهاز القلب، ثم تضرب الجرعة الثانية بقية الأجهزة الفاعلة في جسد الإنسان. يصيبُ الألم عائلة الأم المنتحرة، حيث يتجمعُ حولها الأبناء والأحفاد أثناء تنفيذ العملية، بينما يقترب آرفين من وجه زوجتهِ كثيراً، وهو في حالة الدهشة والانكسار، يعد أنفاسها، التي ما أن تصل إلى النفس الرابع عشر، حتى تموت، ويقبلها باكياً. ستة عقود من الشراكة الحياتية، يفتقدها عالم النفس الشهير، حيث يواجه فيما بعد أمراضَ مرضاه الذين كان يعالجهم سابقاً، أدرك لاحقاً معنى الاغتراب، والكآبة، والوحشة التي تحول حياة الإنسان إلى اللا جدوى. محاولاً معالجة نفسهُ من خلال الوفاء لزوجته، إذ يُكمل بقية فصول الكتاب، متمنياً أن يرافقها في حياتها البرزخية، وأن يدفن جنب زوجتهِ في قبرٍ واحد، بيد أنهُ الواقعي غير المؤمن بما وراء الحياة.  
ينهي آرفين يالوم، سرديتهُ، مغتبطاً تلك الأستاذة الجامعية التي اختارت الموت، بعد أن انجزت الكثير في حياتها العلمية والعملية، مستلهماً مقولة نيتشه لدى مخاطبتهِ إياها (لقد متِ في الوقت المناسب). سردية موجعة، خاضت في مجال العذابات الإنساني، ولكم تمنيت أن يكون هذا العمل السردي، من وحيِّ الخيال، لكي لا نستشعر عذابات الفقد التي حصلت لأبطال هذا العمل.