الإثم الجنائي

آراء 2024/04/29
...

 القاضي ناصر عمران طاهر

تثير المفاهيم والمصطلحات الفلسفية، التي تجد حضورها الدائم في قطاعات معرفية عديدة والمستخدمة في النصوص الجنائية كثيرا من الاشكاليات المعرفية فمصطلحات: (الادراك والوعي والارادة) ثالوث معرفي مهم يشكل هرمية قانونية يُحدد السلوك المجرم و يُخرجه من نطاق الاباحة إلى مساحات التجريم ويشير إلى الدافع لارتكاب الفعل المجرم،

 والتي يسميه القانونيون (الارادة الآثمة) وللوصول إلى معرفة ماهية وكنه هذا الارادة ومن ثم معرفة الاثم المقترن بها وعلى ضوء ذلك استطاع المشرع الجزائي خلق قواعد التجريم والعقاب وصياغة الانموذج القانوني المحدد للفعل المجرم والعقاب المقترن بالفعل، جراء انتهاك القاعدة القانونية الجنائية، وللوصول إلى ذلك لابد من تحديد المصطلحات بالاستناد إلى محددها المعرفي الجنائي فقديما قال (فولتير): لكي استطيع أن اتحاور معك عليك ان تحدد لي المصطلحات التي تتحدث بها، فتحديد المصطلحات مرحلة مهمة لتجسير جوانب المعرفة، وبالتالي الوصول إلى ضفاف موحدة أو على الاقل متقاربة، فمفهوم الإدراك: يعني القدرة على استكشاف كنه الاشياء وتصورها من خلال نتائج السلوك أو الفعل المرغوب بها وهو مرحلة من مراحل الوعي ان لم يكن جزءً من الوعي، اما الوعي فهو القدرة على تصور النتائج التي تتمخض عن السلوك المرغوب بها وغير المرغوب بها، وبعد تحديد ذلك يمكننا معرفة الارادة والتي تستند إلى الوعي والوعي بدوره يتكون من ثنائية هي: قدرة عقلية ناضجة وسليمة اضافة إلى بعد تراكمي اجتماعي انتج خبرة اجتماعية، ويعول القانون في تحديد المسؤولية الجزائية للأفراد على مدى تحقق الوعي لديهم والوعي في القانون قرين مرحلة عمرية محددة في العراق بسن الثامنة عشر وتسمى ( الاهلية )، وعلى ضوء ذلك فان الارادة المعتبرة قانونا هي التي تستند إلى الوعي الا اذا ثبت العكس والذي يعني عدم تحقق الارادة المعتبرة في السلوك اي تخلف الوعي بنتائج السلوك. اما الإرادة الآثمة، والتي تنتج الفعل الآثم فهي وليدة حالات فشل الفرد في التكيف مع الواقع الاجتماعي والتجاوب مع المعايير، التي تحكمه أو تنظمه سواء اكانت عرفية أو قانونية لذلك يحاول انتهاكها بفعله مع تصوره الواعي لنتائج فعله، فالإثم بشكل عام سلوك اجتماعي مرفوض يواجه بجزاء اجتماعي، كردة فعل لهذا السلوك، والاثم في المفهوم الديني: هو ذنب يستوجب العقاب في العالم الاخر أو في عالم الدنيا، اما الاثم في مفهومه القانوني فهو: انتهاك لقاعدة قانونية جنائية موضوعية حدد القانون انموذجها (الفعل والجزاء) وجاء هذا التحديد نتيجة الشعور العام للنظام الاجتماعي بضرورة المحافظة على كيانه، وفق معايير وقيم اجتماعية واخلاقية، وهذا الانموذج القانوني الذي تحتويه القواعد الجنائية أو يحتويها يستند إلى مبدأ وحيد يلجأ اليه المطبق القانوني(القاضي) في تحديد الفعل والجزاء المترتب عليه، هذا المبدأ الدستوري والقانوني هو (مبدأ الشرعية الجنائية) والذي يسمى ايضاً (بمبدأ قانونية الجرائم والعقوبات)، ويوجد الاثم الجنائي حيثما توجد الارادة في البحث عنه ضمن التقسيم القانوني للفعل المجرم، فالجريمة تستند في تكوينها إلى ركنين مادي ومعنوي وهناك من يضيف اليها الركن الشرعي، والجريمة سلوك انساني اجتماعي يقتضي عند تحقق وجوده إلى فعل مادي يتكون من (السلوك والنتيجة والربطة السببية بينهما)، في حين ان الركن المعنوي للجريمة يتكون من (علم وارادة ) والاثم يستقر في الركن المعنوي للجريمة ويتخذ (الاثم ) صور الركن المعنوي وهي: (القصد والخطأ)، والقصد انتهاك مباشر للنص التجريمي الذي يجسد في ثناياه قواعد اخلاقية، في حين يكون الخطأ انتهاكا غير مباشر للنص وقيمه الاخلاقية، التي أضفى عليها القانون حمايته ورعايته باعتبارها مصلحة جديرة بالحماية الجنائية، وللإثم الجنائي آثاره القانونية فالإثم محدد مهم لطبيعة الواقعة فكلما وجد الاثم في الواقعة كانت الواقعة جنائية، وبخلافه تعتبر واقعة مادية مدنية يكون جزاؤها من نوع اخر غير الجزاء الجنائي بعكس الواقعة الجنائية التي تستدعي تطبيق قواعد القانون الجنائي بشقيه الموضوعي والاجرائي ووضع سياسة جنائية قادرة على حماية المصالح الاجتماعية مُستندة إلى سلطة عليا قادرة على فرض الجزاء كلما تعرضت المصالح الاجتماعية الجديرة بالحماية إلى الضرر أوالخطر.