ظاهرة تجريف البساتين.. مخاطر بيئيَّة واقتصاديَّة
عباس رضا الموسوي
شهدت محافظة الديوانية في الآونة الاخيرة ظاهرة سلبية أخذت بالاتساع تدريجيا، تتمثل بقيام بعض تجار العقارات بشراء آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية بأسعار بخسة، ووضع تصاميم لها لتصبح أحياء سكنية غير نظامية، ما جعل من هذه الظاهرة تهديدا مباشرا للواقع الزراعي والبيئي، خصوصا أن هذه الأحياء، التي باتت تنتشر في محيط مركز المحافظة والاقضية والنواحي، بحاجة الى خدماتٍ أساسيةٍ، غالباً ما تكون غير مدرجة على لائحة الخطة التنموية، كونها احياء غير مسجلة لدى الحكومة بشكل رسمي، لا سيما أن الأحياء السكنية الواقعة ضمن التصميم الأساس لمحافظة الديوانية هي اصلا تعاني من نقص في الخدمات، لذا فقد تعالت الأصوات المطالبة بتفعيل قانون حماية الاراضي الزراعية، ومحاسبة المسؤولين عن نشوء واتساع هذه الظاهرة، التي باتت تتسع بشكل كبير، نتيجة غياب الرادع القانوني.
غياب الرادع القانوني
إن اغلب الظواهر السلبية التي تحدث في حياتنا تقف خلفها مجموعة من الاشخاص الانتهازيين، الذين يعانون من مشكلات نفسية، تقودهم الى التفكير بتحقيق مصالحهم الشخصية، دون الاكتراث الى نتائج مشاريعهم على الحياة العامة، لذلك يقول المواطن علي حسين البديري: إن ظاهرة تجريف الأراضي الزراعية بهذا الحجم غيرت من معالم المكان واثرت بشكل واضح على تصميم المدن، مشيرا الى قيام مجموعة من تجار العقارات، الذين لا هم لهم سوى الكسب المادي باستغلال حاجة المواطنين للسكن، خصوصا أصحاب الدخل المنخفض، مستفيدين من غياب المحاسبة القانونية وعدم وجود الرقابة اللازمة لمنعهم من إنشاء أحياء سكنية على أمزجتهم، ومن أمثلة ذلك الاحياء المنتشرة في محيط مركز محافظة الديوانية والأقضية والنواحي، والتي باتت تكتلات اجتماعية كبيرة، بعضها يفوق في عدد سكانها الأحياء النظامية، بل إن هناك من راح يشتري فيها مجموعة كبيرة من القطع السكنية بمساحات متفاوتة، لبيعها بسعر مرتفع على شريحة الفقراء والمحتاجين، الذين يعانون من مشكلة
السكن.
تفعيل قوانين الحماية
لقد اخذت الأصوات الدعاية الى تطبيق القوانين الكفيلة بمنع تجريف البساتين والأراضي الزراعية تتعالى، الأمر الذي جعل الجهات المعنية تتحرك بشكل مباشر، اذ يقول مدير البيئة في محافظة الديوانية اسعد ناظم: إن البيئة فاتحت الحكومة المحلية بظاهرة تجريف الاراضي الزراعية، وقدمت التوصيات اللازمة للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة، موضحا أن من بين التوصيات تفعيل القوانين الخاصة بحماية الأراضي الزراعية، واتخاذ الاجراءات الرادعة بحق المتجاوزين، ووضع ستراتيجية وطنية شاملة لمكافحة السكن العشوائي بكل اشكاله، من خلال تخصيص قطع أراضٍ سكنية للمواطنين، والقيام بحملات توعية بمشاركة جميع الجهات المعنية تعرف بضرورة الحفاظ على الغطاء النباتي داخل وخارج المدن، والسعي لإعلان بساتين النخيل في الديوانية محميات طبيعية بهدف حمايتها من التجريف، وانشاء صندوق سيادي يكون خاصا ببرامج الزراعة والاستصلاح الزراعي، وزيادة الدعم المقدم للفلاحين وغيرها من اجراءات الحماية، لضمان القضاء على ظاهرة التجريف، محذرا من المخاطر البيئية والاقتصادية لقطع الأشجار وتخريب المساحات
الخضراء.
مخاطر الفوضى العمرانيَّة
ولان انشاء الاحياء السكنية غير النظامية له اثره السلبي في تصاميم المدن، فان نشوء هذا الأحياء أدى إلى فوضى عمرانية كبيرة، اذ يقول مدير اعلام دائرة البيئة في محافظة الديوانية صفاء الجنابي: لقد اثبتت تقارير الزيارات الميدانية، التي قامت بها شعبة التغييرات المناخية، وشعبة النظم البيئية الطبيعية في دائرتنا وجود تجريف واسع للأراضي الزراعية، وتحويلها الى اراضٍ جرداء، لغرض إنشاء احياء سكنية او مشاريع صناعية، مشيرا الى، ان هذه الظاهرة ادت الى وجود فوضى عمرانية وبشكل عشوائي وبنى تحتية غير كفوءة، لذا فان هذه الظاهرة تعتبر غير مناسبة لطبيعة المنطقة، لأنها تودي الى تقليص المساحات الزراعية، بما فيها بساتين النخيل والأشجار المعمرة مضيفا: ان مخاطر التمدد العمراني داخل الاراضي الزراعية وتحويلها الى مجمعات سكنية وصناعية بمئات الدونمات يؤدي الى استنزاف الاراضي الزراعية، وتقليل الانتاج والهجرة وانعدام الامن الغذائي والإضرار بالموارد الاساسية والنظم البيئية، وغيرها من مخاطر، لذلك نصت المادة 17 من قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009 على حماية الاراضي الزراعية من الزحف العمراني، ومنع اي نشاط منّ شأنه الاضطرار بمساحة وتصميم المدن والحزام الأخضر.
ضرورة الضغط الاعلامي
ويبقى المواطن يترقب الدور الاعلامي لمواجهة التحديات التي يواجهها في حياته اليومية، عسى أن تجد هذه التحديات الآذان الصاغية، يقول الصحفي هاشم الزاملي: إن من متطلبات الحياة وجود مناخ مناسب للعيش الرغيد وبيئة نقية ومساحات خضراء، وهذا ما تعمل عليه الدول المتقدمة، غير أننا لم نلحظ مثل هذه الخطوات الايجابية في عراقنا الحبيب، مشيرا الى ضرورة منع اعمال التجريف وبالسرعة الممكنة، من خلال اتخاذ القرارات اللازمة، وتفعيل الدور الاعلامي للوقوف بوجه الذين يقفون وراء هذه الظاهرة الخطيرة، داعيا اصحاب القرار الى كشف هؤلاء المتسببين بهذا التجريف المستمر، واتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة بحقهم، بالإضافة الى اجراء توسعة في نطاق المساحات الخضراء وتعزيزها بمشاريع التشجير، واستصلاح الأراضي الزراعية لضمان الحفاظ على البيئة، وحماية المواطنين من مخاطر التصحر وغيرها من المشكلات البيئية التي تهدد حياة المواطنين.
ارتفاع نسبة التصحر
وعن الارتفاع الحاد في نسبة التصحر نتيجة الظروف الطبيعية القاهرة التي يمر بها كوكب الأرض وما تزيده اعمال تجريف البساتين، وتخريب المساحات الخضراء في العراق عموما والديوانية على وجه الخصوص، يقول المهندس حيدر عناج: إن أغلب مساحة العراق تقع في المناخ الجاف وشبه الجاف، وإن درجات الحرارة تصل في فصل الصيف إلى أكثر من 50 درجة مئوية، ما تزيد من معدلات التبخر بشكل عام، بالإضافة إلى أن معدل سقوط الأمطار انخفض بنسبة كبيرة، وخصوصا في الوسط والجنوب، لذلك فإن أهم ظاهرة لزيادة التصحر الأولى هو تعرض المنطقة إلى الرواسب الرملية من المناطق المجاورة، وارتفاع نسبة المياه الجوفية، ما يؤدي إلى تملح وتغدق التربة. كل تلك العوامل زادت من نسبة التصحر وخروج الأراضي، وعدم صلاحيتها للزراعة، مضيفا: مع بدء موسم هجرة الطيور إلى منطقة هور الدلمج، التي تعدُّ من المناطق المهمة جدا لخطوط الهجرة العالمية للطيور، يلاحظ وبشكل واضح انخفاض كبير في مناسيب مياه الهور، واختفاء للمسطحات المائية، التي تعد ذات أهمية كبيرة لأنواع وأعداد الطيور المهاجرة، كالبط والنحام (الفلامنكو)، وأنواع أخرى عديدة، مشيرا الى ان هذا يشكل تحديا للمنطقة التي كانت تزخر سابقا في الأعوام الماضية، بأنواع وأعداد كبيرة من الطيور المهاجرة، مما يستدعي الاهتمام بتلك المنطقة التي دخلت ضمن منطقة الشبكات المحمية في العراق، والتي ينتظر إعلانها رسميا كمنطقة محمية من قبل مجلس الوزراء، لافتا الى أن انخفاض مستوى المياه يساعد على تدهور التنوع البيولوجي في المنطقة، سواء على الطيور أو الأسماك أو النبات، وخصوصا في ظل التغيير المناخي الذي يشهده العالم والعراق خصوصا.