حقوق عالمزاج

الصفحة الاخيرة 2024/04/30
...

د. علاء هادي الحطاب 



أعادَ الحراكُ الجامعيُّ في جامعة كولومبيا وجامعاتٍ أخرى في الولايات المتحدة الأميركيَّة وبعض الدول الأوروبيَّة، مشهدَ مآسي قطاع غزة الى الواجهة، بعد تراجع الاهتمام الإعلامي والشعبي والسياسي الغربي والعربي، الأمر الذي فسحَ المجال لحكومة الكيان الصهيوني بالإيغال في قتل الأبرياء بطرقٍ وحشيَّة قاسية، وكان المتوقع من الأنظمة السياسيَّة الغربيَّة والولايات المتحدة الأميركيَّة التفاعل الإيجابي مع هذا الحراك الذي أُريدَ منه فقط الضغط على صانع القرار السياسي هناك لإيقاف الإبادة الجماعيَّة التي يتعرض لها قطاع غزة، وكون تفاعلهم مع هذا الحراك "متوقعاً" كونهم أي - المسؤولين السياسيين- هناك لطالما يتحدثون عن حقوق الإنسان والتأكيد عليها، حتى أنَّهم يغردون فيما إذا دُهست قطة أو كلب عن طريق الخطأ، لذا كان المُتوقع منهم بلحاظ مبدأ عالميَّة حقوق الإنسان وعدم تجزئتها أنْ يدينوا ما يحصل من قتلٍ ومجازر في القطاع، لكنَّ واقع الحال اختلف كثيراً عندما تعلق الأمر برأيٍ عامٍ ضد اللوبي الصهيوني في أميركا، فشاهدنا مشاهد اعتقال واحتجاز وحتى حديثاً عن محاكمات لطلاب وأساتذة لمجرد اعتراضهم على مجازر الكيان الصهيوني في غزة، الأمر الذي شكل ولا يزال صدمة بالنسبة للجمهور الأميركي بشكلٍ خاصٍ والغربي بشكلٍ عامٍ، فضلاً عن العربي ممن كانوا يحلمون بديمقراطيَّة الغرب.

هذه التظاهرات وطريقة تعاطي الأجهزة الأمنيَّة معها هناك كشفت مزاجيَّة وتجزئة حقوق الإنسان والديمقراطيَّة، فلا مجال لهما إذا تعلق الأمر بإسرائيل، وكشفت ضعفَ وهشاشة القرار وصانعه إزاء تصريحات مسؤولي الكيان الصهيوني وتدخلهم في بلدٍ يُعدُّ الأقوى بين دول العالم.

وبالعودة الى تعريف حقوق الإنسان فقد أورد الموقع الرسمي للأمم المتحدة أنَّ حقوق الإنسان هي "حقوق نتمتّعُ بها جميعنا لمجرّد أنّنا من البشر، ولا تمنحنا إيّاها أي دولة. وهذه الحقوق العالميَّة متأصلة في جميع البشر، مهما كانت جنسيتهم، أو نوعهم الاجتماعي، أو أصلهم الوطني أو العرقي أو لونهم، أو دينهم، أو لغتهم، أو أي وضع آخر. وهي متنوّعة وتتراوح بين الحق الأكثر جوهريَّة، وهو الحقّ في الحياة، والحقوق التي تجعل الحياة جديرة بأنْ تُعاشَ، مثل الحق في الغذاء والتعليم والعمل والصحة والحريَّة"، وهنا يؤكد هذا التعريف أنَّ أهم حقٍ للإنسان هو حق الحياة، وشاهدنا جميعاً كيف تُنتهك الإنسانيَّة في قطاع غزة وسط صمت كبار المسؤولين في الأنظمة السياسيَّة الغربيَّة.

كذلك اعترفت الأمم المتحدة عبر موقعها الرسمي بمبدأ عالميَّة حقوق الإنسان، إذ أكدت "يُعدُّ مبدأ عالميَّة حقوق الإنسان حجر الأساس في القانون الدولي لحقوق الإنسان. ما يعني أننا جميعنا متساوون في تمتّعنا بحقوق الإنسان". وكذلك عدم جواز التصرف والتجزئة لتلك الحقوق كما ورد في ذات السياق الذي أشار بوضوح الى "وحقوق الإنسان غير قابلة للتصرف، لذا، لا يجب أبدًا حرمان أيّ شخصٍ منها، إلا في حالات محددة ووفقًا للإجراءات القانونيَّة الواجبة. فعلى سبيل المثال، قد يتم تقييد حق أحدهم في الحريَّة، في حال أدانته محكمة قانونيَّة بارتكاب جريمة".

وهذه أدلة كاملة على ما التزمت به الأمم المتحدة كمنظمة عالميَّة ترجعُ إليها دول العالم كقاسمٍ مشتركٍ لمعالجة قضاياها وأزماتها إذا توقفت الحلول المحليَّة. 

ما يحدث اليوم في الجامعات الأميركيَّة تحديداً يحملنا مسؤوليَّة كعرب ومسلمين أنْ نقفَ معه ونسانده ولو بكلمة أو موقف.