حسين الطائي: الفن مغامرة مسبوقة بالبحث

ثقافة 2024/04/30
...

 حاوره: خضير الزيدي 


حسين الطائي الذي عرف عنه أنه مجرب من طراز خاص في الرسم والكرافيك هو فنان عراقي من الجيل الثمانيني، حصل على ماجستير الفنون الجميلة MFA  من الكلية الوطنية للفن والتصميم  بالدنمارك وأقام العديد من المعارض الشخصية والمشتركة في كوبنهاكن، الدنمارك، الاردن، ليبيا، تونس، وباريس، وأخرى مع الفنان ضياء العزاوي ويوسف عبد لكي وشفيق عبود، وغير ذلك. 


*  بتصورك هل يتوجب على الفنان أن يتمسك بأسلوب يميزه عن غيره؟ 

- أعتقد أن فكرة الركون الى أسلوب معين، يتبناها الكسالى من الفنانين، لأنها تقضي على سؤال الفن الجوهري والمهم، وهو كيف نبدأ مشروعنا الفني، وكيف ننتهي منه في كل مرة. هناك مغامرة جديدة يعيشها الفنان لكي ينجز فيها مشروعه الفني الجديد، ويجب أن تسبقها فترة بحث معرفي، بمعنى التعايش وفهم المعنى. لماذا هذا الموضوع، لم هذا الشكل بالتحديد؟ ولماذا هذه المادة من دون غيرها عندما نستخدم الاسلوب الواحد كطريقة عمل، نعرف مسبقًا كل شيء وتتحول عملية انتاج عمل فني إلى عملية حرفية روتينية مملة تشبه الحدّاد الذي يصنع نفس الأبواب والشبابيك حينما يطلب منه ذلك! قد يحدث تغيرُ بسيطٌ هنا أو هناك، ولكنه لا يعني شيئا.


* أفهم من كلامك بأن الفن مغامرة في الشكل والتجريب؟

-الفن في غايته الأولى بالنسبة لي مغامرة وتجريب وبحث، إضافة وإلغاء، وتغير القناعات خلال عملية التنفيذ وانتقالها، واستخدام مداياتها الجديدة. لنأخذ أمثلة من الفن العراقي الحديث والمعاصر  جواد سليم، محمود صبري، كاظم حيدر، شاكر حسن آل سعيد، ضياء العزاوي، وأستاذي علي طالب وآخرين كل هؤلاء لم يركنوا إلى مفهوم الأسلوب، لذلك نجد تلك الحيوية والتجريب والرصانة في أعمالهم. بالمقابل تجد بعض الفنانين يرسمون نفس اللوحة من اربعين أو ثلاثين سنة، لأنهم فقط تبنوا مفهوم الأسلوب الواحد.


*ما الذي طرأ على الفنون لتنقلب بهذه السرعة بحيث تتغير المفاهيم وآليات الاشتغال والتنوع؟ 

-مفهوم الفن تغير بشكلٍ جذري منذ عشرينيات القرن الماضي، وتغير معه أيضًا مفهوم الجمال تحديدًا بعد الحرب العالمية الأولى عندما ظهرت حركات فنية تدعو الى نبذ الجمال، ونبذ مفهوم الفن بشكل كامل، واقصد هنا "الحركة الدادئية" وما ترتب على ظهورها من إنتاج أعمال تحمل الطابع السياسي المعارض للحرب وعلى نتائجها المدمرة. كانت دعوة الدادا أيضا صريحة للتجريب في الفن "العبث" كمفهوم للخروج عن المألوف الذي اعتادته العين، لقد جاءت هذه الحركة بثورة حقيقة ضد ثوابت كانت سائدة في اوربا انذاك في الفن والحياة، اعلنت مواقفها المناهض للحرب والقومية والبورجوازية، وحتى رفضها لشروط العرض الصارمة في المتاحف. 

لقد انتشرت هذه الحركة بسرعة لتنتقل من زيوريخ، حيث تأسست في كابريه فولتير الى برلين وباريس ونيويورك، وليتعرف جمهور الفن على أنماط وأساليب جديدة في الفن، الكولاج والفوتو مونتاج أصبح أحد أهم أساليب حركة الدادا في طرح افكارهم المعارضة.

 

 * هل أفهم من قولك، كأنهم يريدون أن يغيروا من دور الفن؟

- لقد تجسد بشكل واضح في اعطاء الفن دور آخر جديد غير صنع الجمال دور اجتماعي وسياسي طليعي في التحريض على التغير، سأعطي مثلا عن هذه الحركة ظهر في باريس الفنان الفرنسي المهم، مارسيل دوشامب الذي قدم عمله الشهير "المبولة" والذي أحدث صدمة الرفض الكامل وطرح السؤال الأهم.. هل هذا الشيء عمل فني؟ هل صنعه الفنان بنفسه؟ مع مرور الزمن أصبح عمل دوشامب أيقونة في تاريخ الفن المعاصر "نسخ من العمل موجودة في أكثر من متحف حول العالم" لأنه يمثل حدا فاصلا في تغيير المفاهيم والقناعات والرؤى. ما زال السؤال يتكرر في كل مناسبة تظهر فيها أعمال فنية مغايرة في الموضوع والمادة والمفهوم، هل "سرير" تريسي امين الذي نقلته من غرفة نومها إلى قاعة العرض عمل فني؟ 

وماذا عن عمل دميان هريست "البقرة" التي قطعها ووضعها في أحواض ماء من الزجاج "العمل موجود في متحف أركن للفن المعاصر في الدنمارك 

ضمن المجموعة الدائمة للمتحف". 

لقد ناقش بعض نقاد الفن هذه الظاهرة على أنها فقاعات فنية ستنتهي، ولم يبق منها شيء مع مرور الزمن، ولكني أعتقد أنها أعمال فنية تنتمي إلى عصرها بكل تفاصيله الغرائبية.


* دعني أتحدث عن تجربتك الآن. ما الغاية من العودة لإحياء رموز المتصوفة بطابع فني مثلما حدث معك في دفتر الرسم وأنت تمر على توظيف وذكر الحلاج؟ 

عليّ أن اشير الى مسألة جوهرية قبل البدء بالإجابة، وهي أن العودة إلى تاريخ المتصوفة "متصوفة بغداد" بالتحديد، ليس الغرض منه إعادة أحياء التراث، وإنما محاولة لفهم تجربة التصوف البغدادي، وبشكل خاص فهم حالة المتصوف البغدادي الحلاج، الذي تعرفت على ملامح تجربته في التصوف. منذ سنوات بعيدة عندما قرأت كتاب المفكر العراقي عزيز السيد جاسم  "متصوفة بغداد" وبعد ذلك تعرفت أكثر على تجربته النادرة في التصوف في كتاب المستشرق الفرنسي لويس ماسنيون "آلام الحلاج". لقد رأيت في تجربة الحلاج خلاصة التصوف البغدادية، لأنه كرس حياته في فهم المعنى الحقيقي للتصوف، وهنا أعني التصوف الفلسفي المختلف تمامًا عن تصوف استاذته المحاسبي والجنيد، اللذين كرسا التصوف الملتزم بشروط صارمة تحكمها الشريعة الإسلامية "الكتاب والسنة" كان انتباه الحلاج للجانب المعرفي الحر في فكرة التصوف، الذي دعاه للتنقل والسفر والإقامة في مدن كثيرة "الهند، ايران، مكة…" قد اغنى تجربته ومنحها فرادة وتميزا، إضافة الى بحثه الدؤوب في حقول المعرفة. 


* لقد شاهدنا هذا التصور الفني والجمالي في دفاتر رسمك.. والسؤال هنا هل يمثل الحلاج حالة بحث لك؟

-اتفق معك كما ذكرت في النص الذي كتبته للدفترين اللذين نفذتهما عن الحلاج "أنا الحق، وكتاب الحلاج" بأن الحلاج يمثل حالة البحث الدائم في تأويل بواطن الأشياء والنصوص، وكان يختط طريقًا جديدًا في التفكير، وكان يدرك الثمن الذي يجب إن يدفعه في هذا الطريق الجديد. لذلك كان يريد أن يكتب شهيدًا، لأنه يعرف أن طريقه سينتهي به مصلوبًا، ولكن الحلاجية بقيت نزعة صنو الابداع والمجابهة والجدة. وجدت في الحلاج حالة عراقية، تمثلت في روح 

الشباب الذي خرج في انتفاضة تشرين بشكل سلمي تمامًا، وواجه الموت بصدر عار ضد الفساد والطائفية ومن أجل محاولة استرجاع حقوق سلبت.