د. طه جزاع
أعاد مشهد وضع الاصفاد في يدي الأستاذة نويل ماكافي رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري في مدينة اتلانتا بولاية جورجيا، خلال التظاهرات المتصاعدة التي اندلعت في أغلب الجامعات الأميركية، إلى الأذهان تلك التظاهرات المشهودة التي قادها الفيلسوف الانكليزي برتراند راسل في ستينيات القرن الماضي، احتجاجاً على الجرائم المروعة التي شهدتها حرب فيتنام. ولم يكتف بذلك إنما عمل مع الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر على تشكيل محكمة دولية " راسل – سارتر"، لمحاكمة الولايات المتحدة على ممارستها الإجرامية في تلك الحرب. وقبل وفاته عام 1970 بأربع سنوات، انتهى من مسودة كتابه "جرائم الحرب في فيتنام"، الذي تُرجم لاحقاً إلى اللغة العربية، وفيه تناول فظائع الحرب في فيتنام، ووحشية العالم الحر، وموجهاً من خلال صفحاته نداءً إلى الضمير الأميركي للاحتجاج على تلك الفظائع والجرائم والممارسات البشعة، التي ارتكبت باسمه ضد الشعب الفيتنامي.
نويل ماكافي التي بدت في لقطة فيديو هادئة شجاعة بين يدي رجل الشرطة، وهو يجرها للاعتقال، كان كل ما يشغلها أن تُعَّرِف نفسها لشخص قريب من مكان اقتيادها وتطلب منه الاتصال بمكتب كلية الفلسفة، ليخبرهم أنه تم اعتقالها، إنها تواصل من دون قصد طريق راسل، طريق الفلسفة، التي تأبى إلّا أن تكون مع الحرية والحق والعدالة والسلام، ومع الانسان في مواجهة آلة الحرب البشعة، ورفض كل أشكال الجرائم التي ترتكب ضد المدنيين الأبرياء، وكل أشكال العدوان على الشعوب. وبفضول الصحفي، وبمساعدة ابن أخي السينمائي زياد تركي، الذي يتابع من واشنطن تلك التظاهرات بحكم عمله، حاولت التعرف أكثر على هذه المرأة التي لفتت انتباه الناس واعجابهم في كل مكان، قمتُ بالدخول إلى الموقع الإلكتروني لقسم الفلسفة بجامعة إيموري حيث تشير سيرتها الشخصية إلى أنها حاصلة على الماجستير في السياسة العامة من جامعة ديوك 1987، وهي من أقدم الجامعات الأميركية، وعلى ماجستير ثانية في الفلسفة من جامعة ويسكونسن ماديسون العريقة 1990، وعلى الدكتوراه في الفلسفة من جامعة تكساس 1998، فضلاً عن كونها أستاذة الطب النفسي والعلوم السلوكية، ومديرة برنامج دراسات التحليل النفسي في جامعة إيموري. وتؤكد سيرتها الشخصية أيضاً على أنها منظرة نقدية تعمل وفق تقليد مدرسة فرانكفورت "وهي مدرسة فلسفية اجتماعية نقدية نشأت في جامعة غوته بمدينة فرانكفورت الألمانية"، وقامت بتأليف خمسة كتب، وكتبت أكثر من ثمانين مقالاً، وقد فاز كتابها المعنون " الخوف من الانهيار : السياسة والتحليل النفسي" بجائزة " كتاب الشجاعة من أجل الحلم " لعام 2020 من الجمعية الأميركية للتحليل النفسي، وتتركز اهتماماتها البحثية الحالية على النظرية النقدية، والتحليل النفسي، والفلسفة النسوية، والنظرية السياسية. وبالعودة إلى برتراند راسل، فقد أعلن في مقدمة كتابه عن جرائم الحرب في فيتنام عن يقينه من " أن الأجيال الأمريكية المقبلة التي ستكون على درجة عالية من الوعي، ستجد أن الجذور التاريخية ليقظة الضمير الأمريكي ترجع إلى ثورة فيتنام، التي امتدت عبر ربع قرن". وقد تحققت نبوءته في العديد من المواقف التي جسدت يقظة الضمير الأمريكي، وآخرها ما فعلته الأستاذة نويل ماكافي وزملاؤها وطلبتهم في تظاهرات الجامعات الأمريكية المناهضة لحرب الإبادة الجماعية الصهيونية في غزة، التي أيقظت "الضمير الأمريكي" بقوة هذه المرة.