فؤاد طوبال.. مساحات ملونة بين الرسم والنحت

ثقافة 2024/05/02
...

 هويدا محمد مصطفى


فؤاد طوبال فنان وباحث أكاديمي، درس الفن في دمشق وروسيا، وهو عضو في الهيئة التدريسية بكلية الفنون الجميلة، ومن أكثر الفنانين السوريين، تنويعاً في التقنيات والمواد الجدارية والفراغية، فهو لم يترك خامة ووسيلة تعبيرية، إلا وخاض غمارها، وشارك في العديد من المعارض والملتقيات النحتية، كما وله نصب في أماكن عامة تحاور عيون الناس في الهواء الطلق. 

قد أكد معرضه الأخير في ثقافي أبو رمانة، قدرته على التنويع التقني الكبير، والتنقل من أقصى حدود الدقة الواقعية الى أقصى حدود التجريد في الرسم والنحت معاً.


*أنت من القلائل الذين يجمعون بين الرسم والنحت، كيف تنظر إلى العلاقة المتبادلة بينهما؟

- الموضوع يتعلق بالرسالة التي يتضمنها العمل الفني المراد التعبير عنه، فإما يختار سطح اللوحة أو سطح العمل الجداري أو الكتلة، ومن ثم التقنية والأدوات المناسبة.  

وفي الواقع نرى في بعض نماذج الفن الحديث تخطّى الحدود بين الأنواع الفنية، بحيث أصبحنا نرى أعمالاً كثيرة تتخطّى هذه الحدود, ولاسيما في الفن الجداري البارز والملون.

أما بالنسبة لي فقد نفذت أعمالاً كثيرة في الرسم والتصوير منذ البدايات، إلي جانب فن النحت، وحتى في أعمال النحت كنت أميل إلى إكساب سطوحها الألوان المناسبة التي تتخطى التعتيق، باستثناء أعمال الحجر التي يمكن الإبقاء على لونها الطبيعي مع وجود فوارق في التقنيات المتبعة على السطوح، وفي كلتا الحالتين كنت ميالاً إلى ترك بعض المساحات على الحجر أو الخشب لتعطي تنوعاً أو إحساساً باللون، وفي بعض الأحيان كنت أميل إلى تنفيذ لوحات رسم وتصوير وأعمال غرافيكية، وقد شاركت بها في المعارض العامة والمشتركة والفردية، وقد ضم المعرض الأخير حضرت كل هذه التجارب.

فالرسم والنحت وغيرها يكمن وراءها الإحساس والموهبة، وأحياناً يختار التعبير طريقه إلى خامة التعبير، فكل أنواع الفنون تلتقي عند الرسالة التي يتضمنها العمل الفني، والحديث عن ذلك يطول.

وهناك الكثير من الزملاء الفنانين الذين جمعوا بين التصوير والنحت وأبدعوا في كليهما. 


* ماذا عن اختصاصك التدريسي في كلية الفنون الجميلة؟ 

- لقد تميزت بالنحت منذ سنوات الدراسة، وقد شجعني أساتذتي على اختيار اختصاص النحت، وتميزت به وأحببته، ولذا ترشحت لوظيفة معيد متفرغ في الكلية بعد تخرجي، ثم تم إيفادي إلى الاتحاد السوفييتي لإتمام الدراسات العليا، حيث تابعت أبحاثي حول النحت التدمري الذي استهواني، ثم عدت إلى كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق لأدرِّس النحت والرسم وتاريخ الحضارات والأساطير وتاريخ الفن والعمارة، وتاريخ الفن القديم، والنقد، وطرائق البحث للدراسات العليا، واللون، والإظهار المعماري، والخط العربي وغيرها، في كليات وجامعات، ولا أزال حتى اليوم أقوم بواجب

التدريس في هذه الجوانب.

*لاحظنا في معرضك الأخير بثقافي أبو رمانة بدمشق تنوعاً كبيراً في المواضيع والتقنيات، ماذا عن ذلك؟

- لقد كان التنوع الكبير في المعرض هو  السمة الغالبة على المعرض، وبدت السمة واضحة جداً، وقد سمعت هذا من الكثيرين من زوار المعرض من الفنانين والنقاد والمثقفين، وكان أبرزهم الفنان والناقد أديب مخزوم، الذي ترك لي رسالة بعد زيارته، افتتحها بقوله: لقد شكّل لي هذا المعرض مفاجأة بمدى التنوع التقني والتشكيلي.

إن الأعمال كانت متنوعة بين النحت (الكتلة) والنحت الجداري، ولوحات التصوير الزيتي، والرسم على الزجاج، والجداريات المحفورة على الخشب، والخزف الملوّن، والفخّار، والرخام والحجر، كما ضمّت الأعمال تقنيات النحاس المباشر والبرونز، والجداريات الخشبية والزيتية، وفن الميدالية، كما كان التنوع كبيراً بأحجام هذه الأعمال وموضوعاتها المختلفة في التجسيد والتعبير وطرائق التنفيذ، إضافة إلى التنوع في الأساليب 

الفنية. 


* ما رأيك بملتقيات النحت، وما دورك فيها؟

- على الرغم من العمق التاريخي والإرث الحضاري لدينا في مجال النحت في المشرق العربي، إلا أن تاريخ الملتقيات المحلية في سورية عملياً قد بدأ في عام 1997، وهو الملتقى الأول للنحت في فناء قلعة دمشق؛ أي الملتقى الذي يُعد تأسيسياً، وقد كنت مشاركاً فيه مع ثلة من الزملاء النحاتين، بحيث نفذت أعمالاً كبيرة من الحجر والمعدن، وقد حظِيت باهتمام رسمي ورعاية كريمة، وقد وُزعت الأعمال في حدائق مدينة دمشق وأماكنها التاريخية الهامة، وبعد ذلك استمرت الملتقيات بشكل شبه دوري في عدة محافظات، بحيث دُعيت إلى ملتقى في مدينة حلب، ثم دعيت إلى "ملتقى عاليه الدولي للنحت" في لبنان الشقيق، ونفذت هناك عملاً نحتياً من الحجر اللبناني الأبيض، أنضم إلى أعمال كثيرة في قرية عالية النحتية، ثم دعيت إلى "ملتقى البازلت الدولي" في ضاحية صوفر اللبنانية، وكان في خامة البازلت بعد مشاركتي في ملتقى البازلت المحلي في مدينة السويداء، وكلها أعمال بأحجام كبيرة 

اعتز بها. 

وقد استمرت الملتقيات في المحافظات السورية، والتي كان بعضها على الخشب، حيث نفذت عملاً من وحي الفن التدمري في ملتقى "تدمر بوابة الشمس" في مدينة طرطوس، وقبل ذلك عملاً من وحي الأحداث في مدينة جبلة "ملتقى رواسي"  وكان لي مشاركات أخرى ومتنوعة.

*ما رأيك بالنصب النحتية الموزعة في المدن السورية؟ 

 - توزيع النصب النحتية في المدن السورية -على الرغم من مشاركتي في أعمال مهمة فيها -ليس بالمستوى المطلوب قياساً بالتراث العظيم في هذه المنطقة في المراحل التاريخية المختلفة، وبالمقارنة مع البلدان الأخرى المتقدمة. 

لقد سنحت لي الفرصة خلال إقامتي في سان بطرسبرغ لمدة خمس سنوات بالإطلاع على النحت النصبي ودراسته في أرجاء الإتحاد السوفييتي، وفي ضوء إطلاعي على تلك النصب السوفييتية العظيمة أرى أنه 

لا يمكن مقارنة النصب المنتشرة في المدن السورية بمثيلاتها في الدول المتطورة والغنية، ويعود ذلك لأسباب كثيرة منها ثقافية، ومنها مادية، فالأعمال النصبية المهمة يجب أن تُنفَّذ بخامات مقاومة للظروف الجوية كالبرونز والستانلس والرخام... 

إضافة إلى الظروف الحالية الصعبة التي تمر بها البلاد، فمثل هذه الأعمال تكلفتها كبيرة، وتحتاج إلى نهضة اقتصادية، وترتبط بالنهضة العمرانية وبالثقافة وباستقرار البلاد، وهذا لا يعني وجود استثناءات وأعمال نصبية هامة، أو نحاتين 

مهمين.