رولا حسن
غالبا ما تأخذ الوجوه البشريّة في لوحات دارين أحمد طابعا خاصا يتسم بالقسوة أحيانا والبؤس والتجاعيد التي تبدو كندوب في الروح، وذلك مرده إلى إتباعها للمدرسة الوحشية، وهي من المدارس المفضلة لديها لاعتقادها أنها لا تزال تعبر عن روح العصر الحالي الغارقة في الفوضى والشتات، تماما كحال - قصيدة النثر- التي تمثل برأيها السهل الممتنع في الفن التشكيلي، فهي بجانبها المتحرر من الصرامة الأكاديمية، والمتحرك نحو الانفتاح الروحي والمعرفي للفنان، قادرة على حمل ثقل الفنان المعرفي وخفته المعرفية أيضا ،لذلك هي الأكثر انتشارا بين الفنانين التشكيليين.
وهي بذلك والحديث يعود لدارين لا تقصد المدرسة الوحشية على وفق التعريف الضيق «بل كل ما هو متحرر من الجماليات البصرية لصالح الكشف عن الداخلي للفنان أو الفنانة، وانعكاسات العالم الخارجي فيه وأيضا كل ما يعتمد تقنيا على الخط العريض، أو ضربات الفرشاة العريضة بدل رسم الكتلة باللون».
بدأت ابنة منطقة الغاب التابعة لمدينة حماه دارين أحمد حياتها في العمل الصحفي كمحررة في مجلة ودار معابر الدمشقية، قبل أن تنتقل مع عائلتها إلى ألمانيا، لتركز بشكل ذاتي وتثبت نفسها في الفن.
شاركت دارين التي تعد واحدة من أبرز الوجوه التشكيلية السورية في معارض مشتركة بين ألمانيا وانكلترا، كان أولها في أيار 2016 بعنوان «نقطة هروب» وكذلك شاركت الفنانة البريطانية فرانسيس أفيفيا في برلين عام 2017، وشارك عملها «شهوة مؤنثة» أيضا إلى جانب 48 فنانة من أنحاء العالم كافة في «غاليري كريبت « ببرلين.
الوجوه في لوحات أحمد مرتبطة بالمواضيع التي تعمل عليها والتي هي متجذرة في المأساة البشرية، هي ذاتها مأساة الكائن المسحوق مثل لوحات «سلسلة الحشد» التي انبثقت من جملة قرأتها في رواية «اسم الوردة» عن وصف المجذومين «متعصبين فقراء، بسطاء محرومين مقتلعين من أيامهم مذلولين في المدن..» على حد تعبيرها.
هذه الجملة تقاطعت في ذهنها مع فكرة ضياع الكائن وصغره في الكتلة الكبيرة للمدينة مع نفيه خارج الحضارة، ومع هروبه من أوطان نافيه له حتى في سلمها فكيف في زمن الحرب.
في سلسلة لوحاتها «السلفي» التي يحتل فيها الوجه كامل اللوحة هي محاولة منها بحسب تعبيرها» لترك سليفي عن هذا العصر الذي نعيش فيه ولذلك من الصعب أن تكون وجوها جميلة مريحة للنظر»، وهي هنا لا تغفل تأثير الحرب السورية عليها كفنانة فالألوان في لوحاتها مشتعلة بالوحدة، فقدت سحقت الحرب السورية أرواحنا على حد تعبيرها، وها نحن وبعد مضي أكثر من عقد نعيش حياتنا بوجوه وأرواح لم تعد تنزف ولكنها مليئة بالندوب، وتضيف قائلة :»أنا لا أشعر بالوحدة كشخص يمكنني أن أصف حالتي بمفردة «الطفو» أي الكائن الذي لا جذور له في الهويات السائدة».
تولي أحمد الجسد العاري أهمية خاصة، فالجسد يشكل في أعمالها الفنية تجليا خاصا إذ يبدو كما هو عاريا وصادقا، خاصة جسد المرأة الذي تجعله معبرا عما يمر به من قهر وألم، وقد أرادت في هذه اللوحات أن ترسم بحسب تعبيرها، اللحم البشري لذلك احتجب الرأس في هذه اللوحات وغاب باعتباره مركز الوعي، أو دعامة المركزية البشرية، وبقي الجسد، اللحم .
التركيز على البعد الإنساني شمل أيضا صورة الوجه فاغر الفم وحملت بعض اللوحات تعبيرا فنيا عن الأبعاد النفسية والقهر الإنساني. تجسد دارين أحمد في لوحاتها عمق الألم الإنساني والخوف الظاهر في وجوه وحركات شخوصها، وكذلك تجاعيد الكآبة والحزن الواضحة في تفاصليها، فهي تحاول ببراعة تصوير ذلك الانكسار الذي لا يحتاج فيه متذوق لوحاتها شرحا، ولا تبيانا لأسبابه كونها ابنة هذه البلاد المنكوبة بحرب دموية أتت على البشر والحجر.