بهجة الذهاب إلى سينما {الفردوس}

ثقافة 2024/05/06
...

علي حمود الحسن


شكلت سينما الفردوس الواقعة في التقاطع، الذي يربط شارع المهدي بالكفاح، قبالة سوق محلة الصدرية؛ ليس بعيدا عن ساحة النهضة ومرأبها الشهير، ومعها سينمات الدرجة الثالثة في الباب الشرقي منجما لا ينضب، لرفد مخيال طفولتنا السعيدة- على شظف العيش- بالقصص والحكايات والمغامرات، وإن كان يوما واحدا من أيام العيد الذي يأتي مرتين في العام، فما ان نكمل دورة تحصيل "عيديات " العائلة ثم الأقارب والجيران، اذ نجمعها  وننطلق من  قطاعات مدينة الثورة (الصدر لاحقا)، على شكل مجاميع، لحماية انفسنا من شقاوات السينما وعصابات الفتيان الصغيرة، الذين ما أن يروا أحدنا منفردا حتى ينقضوا عليه، فالدخول إلى السينما ليس نزهة ومتعة فقط، إنما  يكون ثمنها احيانا باهظا، تبدا الرحلة من "الجوادر" بمصلحة نقل الركاب رقم 63  أو 55، وغالبا ما نختار الطابق العلوي، الذي "نهرجه هرج " ولا نتوقف عن الغناء والصراخ ، الا بصعود الجابي، الذي يلقي محاضرة لا تنتهي، الا بنزوله مسرعا ليعالج مشكلة في الطابق الأول، تتوقف المصلحة ونهرول إلى السينما، وبعضنا يحمي بعضا، نختار الأكثر جسارة وطولا وقيافة، ليقطع لنا تذاكر" أبو الاربعين "، الذي يعود ظافرا ولكن بقميص مفتوح، حيث تطافرت " الدكم" اثناء التزاحم على شباك التذاكر.
  لكن كل هذه المنغصات " تهون" ونحن نشاهد هرقل الجبار يجندل الابطال، أو نتمتع بقضمة "لفة عنبة "
حارٌ مذاقها.
 شيدت سينما الفردوس، التي يملكها إسماعيل شريف وموشي هارون، مفتتح خمسينيات القرن الماضي، تحت اشراف احمد مختار ابراهيم، وهو أول مهندس معماري عراقي رائد، رسم ملامح الهوية المعمارية العراقية، وتوفي مبكرا في سويسرا إثر حادث مؤسف، وبدا تصميم السينما مثالا "للمزاوجة بين اسلوبي الباهاوس (توظيف الحرفة بالفن) والديكو آرت (الزخرفة)العراقيين، اذ تظهر واجهتها المنحنية متكاملة مع السياق الحضري".    
    شهدت " الفردوس" التي يبلغ عدد مقاعدها 2170  والمزودة بآلات عرض ومنظومة صوت ماركة كالي الإنكليزية، عرض أفلام عالمية وعربية ومحلية، منها: أفلام " الهراقل" الكابوي، فضلا عن الأفلام الهندية، ومن أشهر الافلام العراقية المعروضة فيها  " قطار ساعة 7" لحكمت لبيب، فضلا عن أفلام إيرانية مدبلجة، كما صور في صالتها مشاهد من تمثيلية تلفزيونية شهيرة بعنوان "سينما"(1977)، للمخرج فلاح زكي وتمثيل أمل طه وعزيز كريم ومحمد القيسي، تتحدث عن أسرة بغدادية تقرر الذهاب إلى السينما، وكيف تهيئ مستلزمات الفرجة، وما تتعرض له من مشكلات ومعاكسات، واشتهرت هذه التمثيلية التي كتبها سليم البصري، بلازمة اطلقها الممثل الكوميدي عزيز كريم يقول فيها: " نارك قلبي نارك".