الأحزان مياهٌ عذبةٌ

ثقافة 2024/05/07
...

 حميد حسن جعفر          

أولا..
صباح كل يوم تسعى زوجتي إلى تهذيبي، إلى نوع من التنمية
المستدامة، حيث يقف التاريخ بشيء من الشموخ، ليعلن
تفاصيل نزوعي إلى صحبة جليلةَ، مع نسوة لم يتمكّن من
استقطاب مقاومتي للرضوخ لما يمكن أن يعلنّ من مواقف
كان نصيبها الفشل.
الإعلان عن هذا بحضور شديدٍ لتلك التي كانت ومنذ عقودٍ
وكأيّ بستاتي يشذب عواطفي و طموحاتي، تزيل المتقرن
 من أطرافي، لتوفر لي فرصة عدم الإذعان للخريف، لسلطاته
التي لا تعد، وهو كإي ذكر  أباعر  يحاول أن لا يتخلى  عن
محاولة تلقيح نوقه، عنيفاً لا شأن له بالمروءة، التي تستوجب
احترام فرصة إعلان سلطاته على  الفصول الأخرى.
النسوة كافة  ما كنّ رحيماتٍ، كنّ يُلزِمنَ اصابعهن الشبيهات
بالمباضع ليتأكدن من ردود أفعالي، لا ناصر لي بين جمعهنّ
سوى أن أتخلص مما يسعين اليه بجديةٍ، أن تتخلص فؤوس
الخريف من تردد بجتثاثي، ليعلن حكم الفتوى التي توجب
حكم العدة  ليهيئن أجسادهن للفتيان الذين يشبهونني  كثيرا.
ثانياً..
الجسر المعلق ،بحباله الفولاذية،بآلاف  الأطنان من الحديد
المستورد، وليس الذي أنزله من  السماء، لم اعد من رواده،
 لم أعدْ من المستأنسين وهو يئنّ تحت ثقل دبابات الغزو،
ساحة كمال جنبلاط/ في ما بعد ساحة التقدم، هجرت منذ
سنوات  الركون اليها  حين اشعر بالوحدة،او حين أتخاصم
مع فتاتي.
وحسينية الزوية، هل ما زال المرشد يؤكد على إن،
-الناس صنفان، أمّا أخٌ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق-
هل ما زال يوصي من يستمع اليه ب -حب لأخيك ما تحب
لنفسك.
ما الذي تركت وراءها مقهى -حسين الحمد - أو بساتين
ومزارع  وكرود  الكرادة، هل ما زال المتنزهون تذكرون
افياءً شبيهة بمقام النهاوند، وسواقي قد لا تشبه ما وعد
الله به عباده المؤمنين، أما زال ماؤها  كما الخمرة،
والمياه الصاعدة من عند ضفة نهر دجلة  إلى حيث
حقول القثاء والباذنجان، والكوسة التي تحمل اسم
-ملا أحمد- وفرص التسامي الذي توفره تأثيثات
الأرض للسكان والضيوف الذي يحترمون الأرض
والسماء، أما زال الصيادون ببنادقهم الحديثة
يرتبون غزواتهم لجزيرة -أم
الخنازير -
الجسر المعلق يعاين القصر الجمهوري، القياصرة
الجدد، وبساطيل الجند الحلفاء
ذاكرته ما زالت مورقةً.
ثالثاً..
عليَّ أن اعتني بأحزاني، أُرتب لها أسباب التكاثر, كما
لو كانت طيوري التي توفر لي الكثير من موجبات
الاهتمام بالحياة.. وصاياكِ لي كثيرةٌ، أبرزها كما أعتقد
-اعتني باحزانكَ لا تتركها  كالقوارض لا أسرة، لا أغذية
منشطة للتكاثر، إنها من أجمل عطايا الرب، من خلالها
نتذكر محاسن  الغابة، وهي تشيد بقدرات الاشجار
على تحمل فؤوس الحطابين، وتسلق القردة لاغصانها
التي تحاول الوصول إلى شبيهات السماء الأولى، مبتعدةً
عن طموحات النمور بأن تشكل بعض فرائسه.
وها أنا احاول ألا أتخلى عن أبوتي  للكثير من للشجون،
والأسف والفقدان.
وها أنا ما أن أشطبَ على ذكرياتي مع السياسيين،
حتى أضمّ أحزاناً لمقتنياتي، ما إن أُطعمَ طيوري  بعض
حبوب مراهقتي الشبيهة بالقمح  حتى ابدأ بالبحث عما
تناسيته سابقاً من حزنٍ أليف، وقد لا يكون كذلك، ولكن
أجد نفسي مضطراً  بأن أتماشى مع هكذا سلوك، لكي
لا أشعر  بعدم جدوى  بعض تفاصيل  الحياة التي لا بد
منها.
الأحزان مياه عذبةٌ، لم تلوثها نفايات معامل دباغة
الجلود، أو المياه الثقيلة التي تبعث بها  المستشفيات،
والمراكز الصحية، إلى نهري دجلة والفرات.