باكو: يارا محمود
يشهد العالم وضعاً يتسمُ بالتحديات العميقة والفرص التي تتجاوز الحدود والإيديولوجيات، إذ تواجه الإنسانيَّة قضايا معقدة مثل التغيرات المناخيَّة والأوبئة والإرهاب والتهديدات السيبرانيَّة والتوترات الجيوسياسيَّة، وفي ظل تلك النزاعات والتجاذبات تقعُ علينا مسؤوليَّة حل الصراعات وبناء السلام، ومواجهة كل التحديات والتغلب على الانقسام وتمهيد الطريق لمستقبلٍ مشتركٍ أكثر إشراقاً، وهذا هو جوهر «المنتدى العالمي السادس للحوار بين الثقافات». في العاصمة ِالأذريَّة باكو، انطلقت أعمال المنتدى العالمي السادسِ للحوارِ بين الثقافاتِ، تحت شعار «السلامِ والأمن العالمي».
ممثلو مئة دولة
وخلال افتتاح المنتدى قال الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف في كلمة ألقاها: «يسعدني أنَّ هناك ممثلين لأكثر من مئة دولة هنا، وهذا يوضح حرفيًا أنَّ المنتدى يمثلُ منصة دوليَّة مهمة جدًا، إذ تتمُّ مناقشة قضايا الحوار بين الثقافات «عمليَّة باكو»، عندما بدأنا هذه العمليَّة، لم نكن نتخيل أبدًا أنه نتيجة لذلك سنجمع في المنتدى المثقفين والسياسيين وصناع القرار وممثلي وسائل الإعلام وممثلي المجتمع المدني، ونجتمع حول هدف واحد، وهو كيفيَّة جعل عالمنا أكثر أماناً، لأنَّ الحوار بين الثقافات يقومُ على هذا».
وأضاف علييف «برنامج المنتدى واسعٌ جدًا، ويغطي العديد من المجالات. يشمل - الحوار بين الثقافات، والتنوع، والتغيرات المناخيَّة، والهجرة، والسلام والأمن، ووضع ما بعد الصراع، والسياحة، والذكاء الاصطناعي. أتمنى مناقشات مثمرة، أنا متأكدٌ أنَّ هذه المناقشات، بما في ذلك الأفكار المقدمة خلال المنتدى، ستسمحُ لنا بصياغة النهج، وكيفيَّة تعزيز الحوار بين الثقافات، وكيفيَّة القضاء على التهديدات القائمة والمحتملة».
ولفت «تتمتعُ أذربيجان بتجربتها الخاصة في حل هذه القضايا ومناقشة القضايا المطروحة على جدول الأعمال. لقرونٍ طويلة، كانت أذربيجان مكانًا تلتقي فيه الثقافات.
إنَّ موقعنا الجغرافي، وموقعنا بين الشرق والغرب، جعل هذا الاتجاه ممكنًا بالفعل، لقد حافظ المجتمع الأذربيجاني المتعدد الثقافات والمتنوع عرقياً على أهم القيم لعدة قرون - قيم مثل التسامح والاحترام المتبادل والصداقة والشراكة. هذه هي القضايا التي تحدد التطور الناجح لأذربيجان كدولة مستقلة. وعلينا أنْ نعزز هذه الاتجاهات الإيجابيَّة، وهذا الحوار الثقافي، والتنوع الثقافي، لذلك، كان علينا أنْ نأخذ هذه المبادرة ونبدأ «عمليَّة باكو»، وكما تعلمون، بعد ثلاث سنوات، تمت الموافقة رسميًا على «عمليَّة باكو». وفي وقتٍ لاحقٍ بدأنا منتدى الحوار بين الثقافات. أحد الأسباب الرئيسة هو أنَّ السلام والاستقرار والتضامن في المجتمع الأذربيجاني يرتبط بالتنوع الثقافي والاحترام المتبادل. وبطبيعة الحال، كان هناك دائما حوار إيجابي بين الثقافات داخل أذربيجان.
تمكنا من الحفاظ على هذه القيم وحافظنا عليها في أوقاتٍ مضطربة للغاية - في أوقات الاشتباكات والصراعات والحروب، إذا نظرت أولاً إلى هذه القضايا داخليًا، فسيتم إنشاء مثل هذه البيئة التي يشعر فيها أفراد جميع المجموعات العرقيَّة والأديان بالكرامة والأمان والمعاملة العادلة».
مداخلة الوفد العراقي
من جانبه شدد الوفد العراقي برئاسة رئيس مجلس النواب بالنيابة رئيس الاتحاد البرلماني العربي محسن المندلاوي في كلمة ألقاها في المنتدى على «ضرورة الحوار بين الأمم بوصفه ركيزة أساسيَّة لتجاوز الخلافات وإحلال الأمن والسلم والتنمية وخلق مناخ للتقارب الأممي وتنسيق الجهود الدوليَّة نحو بيئة تشريعيَّة عالميَّة تحترم الإرث الحضاري والتنوع الثقافي».
كما أوصى المندلاوي بتشكيل «لجنة دائمة تتولى دعم التعاون البرلماني الإقليمي والدولي وإنجاز تشريعات تعزز الحوار والشراكات الاستراتيجيَّة»، وطالب بتطبيق «قرارات الشرعيَّة الدوليَّة بعدالة وحياد عبر رفض وإدانة العــدوان الإرهــابي الصهــيوني المتكرر على بلدان المنطقة، والتعاون من أجل العمل المشترك لمواجهة التحديات والأزمات المتعددة المتمثلة بالغذاء والطاقة والتغييرات المناخيَّة»، مبينًا أنَّ «دور قادة السلطات التشريعيَّة يبرز عبر بلورة وصياغة تشريعات وطنيَّة تسهمُ في غرس قيم الحوار وقبول الآخرين وتنسجم مع التوجهات الإقليميَّة والدوليَّة والحفاظ على الموروث الثقافي وصولاً الى حالةٍ من التجانس وفق رؤية إنسانيَّة تحترم خصوصياتِ وقناعاتِ الجميع».
وأضاف المندلاوي «للمنتدى أهميَّة كبيرة كمعضدٍ لدورِ المنظمات الدوليَّة التخصصيَّة في خلق مناخ التقارب الأممي، وتنسيق الجهود الدوليَّة نحو بيئة تشريعيَّة عالميَّة تحترم الإرث الحضاري والتنوع الثقافي»، مضيفًا أنَّ «فهم جيل الشباب للحوار يجعلهم يؤدون دوراً مهماً في الحوار الثقافي المتبادل بين الأمم، ويمكنهم من المساهمة في رسم معالم جديدة للحياة في المجالات كافة».
وعن دور العلاقات البرلمانيَّة ونجاحها في تقريب الآراء قالت رئيسة المجلس الوطني الاذربيجاني صاحبة غفاروفا في كلمة ألقتها في مؤتمر البرلمانات في موضوع «دور التشريعات في حمايَّة التراث الثقافي» في إطار المنتدى: إنَّ «أنشطةَ أذربيجان في مجالِ حماية ِالتراثِ الثقافي لا تقتصرُ على المستوى الوطني بل تتخذُ خَطَواتٍ متتالية في مختلفِ البلدان لاستعادةِ وحماية التراثِ الثقافي الذي يُعدُّ الثروةَ المشتركةَ للبشريَّة، لا تزال حماية التراث الثقافي واحدة من المشكلات التي تحتاج إلى حلها. وفي هذا الصدد، لا تزال الصراعات والحروب تشكل تهديداً رئيساً».
وأضافت «تلعبُ العلاقات البرلمانيَّة دوراً مهماً في الحوار بين الثقافات، من خلال وضع التشريعات الصحيحة والتفاهم مع جميع الأطراف لتوطيد التعاون الدولي، وإنَّ المنتدى العالمي للحوار بين الثقافات، المدعوم من قبل منظمة الأمم المتحدة منذ تأسيسه أصبح إحدى المنصات العالميَّة الرئيسة للحوار بين الثقافات والأديان».
ولفتت الى أنَّ «التنوع الثقافي أسلوب حياة عند شعبنا وبلدنا. والتراث الثقافي يمثلُ هويَّة الناس وماضيهم وتقاليدهم وقيمهم. إن حماية هذا التراث ونقله الى الأجيال اللاحقة تقتضي العمل بالرؤية المؤسسيَّة والتشريعيَّة الصحيحة في هذا المنظور، تلعب برلماناتنا دوراً مهماً ليس فقط على المستوى الوطني فحسب بل على المستوى الدولي أيضاً».