أسعد الشطري.. عمق التجريد الماورائي

ثقافة 2024/05/08
...

 إحسان العسكري

بأسلوب الانتزاع المعرفي للصورة وإرساء الفكرة عبر اللون الواضح والإيماءة الذوقية العالية والاعتماد على التركة الرصينة لبلاده، برع الفنان التشكيلي د. أسعد الشطري في إنتاج فكر مميز في مدرسة التجريد، فهذه المدرسة غالباً ما تعتمد على الآنية المفردة لبعث مجموعة صور، لكنه تمكن من خلق مجاله الخاص متخذاً من بيئته ونمط حياته ومكانية التفرد بالفكرة قبل اللون.
إن انبثاق رؤية واضحة من مشاهدة مباشرة للوحة مرسومة على المدرسة التجريدية يعد ضرباً من ضروب المحال، لولا الدراسات والتعمق في هذه المدرسة، ولكن رغم كل ذلك ما تزال هذه المدرسة موضع بحث ودراسة غير متناهي ويُظهر في كل حين حالة من الدهشة والروعة.
لم يُجرد الشطري مادته من معانيها وحسب، وإنما ألبسها ثوباً ملائكياً سومرياً أصيلاً أُلحِقَ بمعاناة وحالات التبدل والتبتل العراقي الجنوبي التي عاشها الفنان، وهذا يظهر جلياً عبر مشاهدة مباشرة للوحاته كـعمله "مضيف عراقي – زيت على كانفاس"، حيث صوّر المضيف الجنوبي الذي يعد امتداداً لإرثٍ سومري به كثيمة ذات قيمة تأريخية واجتماعية وفنية عظيمة، فلم يكتفِ بذلك، بل فعل أكثر من ذلك عبر إبراز "أنانا" الملكة السومرية عشتار عبر حزمة من القصب وقبالتها رمز لحيوان سومري ونقوش أخرى تمثل الراقص في المطر، وهذه من العادات السومرية القديمة.
يمتاز هذا الفنان بكونه يتمتع بكمٍ معرفي ثقافي كثيف ولم يأت ذلك من فراغ، إذا ما علمنا إنه من جيل يعدُّ من أجيال القراءة فهو من مواليد الشطرة 1970 درس الفن التشكيلي في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد ثم لحق البكالوريوس البغدادية بماجستير ودكتوراه بصرية عبر كلية الفنون الجميلة بجامعة البصرة، أي أنه أضاف لإبداعه غزارة أكاديمية معرفية، وهنا تجلى مفهوم عمق التجريد ووضوح الإبداع لأنه يعرف ماذا يرسم وكيف يؤثر؟ ولم يخرج الشطري عن انتمائه السومري إلا حينما يرسم الطبيعية وبتجرد أيضاً كما في لوحته "الأهوار" حيث القصب والمشاحيف وقطيع الجاموس.
ومما تميز به أيضاً إبداعه في ما يسمى إدامة الزخم للحدث عبر أعمال رائعة أهمها "نسوة ريفيات"، والذي من خلاله اهتم بالمرأة بشكلٍ فريد حين كان يصور فيه النساء الجنوبيات في طريقهن لأداء الزيارة الأربعينية، وكذلك كانت الأعمال التعبيرية حاضرة، ومن أهمها "الشهيد مصطفى العذراي"، حيث تمثل هذه اللوحة خليطاً مهماً جمع بين فكرة الواقعية ونمط التجريد تمكن من خلاله إلهام عدد ليس بالقليل من الفنانين لاستخدام هذا الحدث كمادة لأعمالهم، وكذلك لوحته الشهيرة "سبايكر" التي بحاجة لدراسة وتحليل يليق بها لما تشكله من انعطافة مدهشة في الفن التجريدي، وهو يوثق حدثاً إنسانياً حاضراً، ولم يتوقف عند هذا الحد، بل توجه بعمل أكثر عمقاً وإخراجاً أسماه "يوم دامٍ آخر"
د. أسعد الشطري رسم الطبيعة والتأريخ والمرأة وبرع في ذلك وتخطاه فصار من الوجوه الإدارية المهمة في المنظمات ذات العلاقة بالفن التشكيلي من الناصرية إلى بغداد وشمال الوطن.
استخدم تأريخ هذه المدرسة بطريقة خاصة مميزة فالتجريد هو أقدم الفنون التشكيلة، حيث ظهر أيام الفخار والصخور والألواح الطينية رغم كونه أوجد هويته الحالية بدايات القرن العشرين عبر أهم رواده مثل "كاندينسكي 1911 و قبله الفرنسي فرانسيس بيكابيا عام 1909" لذا نجد الفنان يميل كثيراً لهذه الجزئية التأريخية باعتماده على مجمل الطرق التي تستخدم هذه المدرسة وأهمها الإيمائية تعتمد هذه الآلية على الطريقة التي تُرسم بها اللوحة التجريدية، ولكن بالاهتمام بموضوعها على عكس ما عُرفت به، وعلى اختلاف أنماطها فإنّه استخدم الفن التجريدي الإيمائي تارة باعتماده على التأريخ والإحساس ومشاعر الانتماء للبيئة والوجود.
وعلى العمق الماورائي للون، وتارة أخرى أظهر العاطفة بشكل أكثر وضوحاً، وذلك عبر الرسم التعبي بإيماءات لونية بارزة ودلالات رمزية تظهر من خلال الخطوط والألوان مع تمسكه الجميل بالأصل، لأنه وببساطة اعتمد الجماليّة  متخذاً يملكه من حضور للطبيعة في ذاته سبيلاً لإبراز نجاحه.
عبر لوحاته التي حصد بها الجوائز وملأ بها أروقة المعارض.
إن مجرد النظر إلى لوحته "نخيل ومشاحيف" و "نخيل في مهب الريح" و "جبل عراقي" التي وثقت المطعم التركي يستكشف المتلقي مدى عمقه.
الشطري عبر محلية رصينة وصل إلى العالمية وعرضت لوحاته في الولايات المتحدة والمانيا، ولا يزال عاكفاً على تعليم الرسم في الكلية التربوية المفتوحة في الشطرة.