خدعونا بمقولة {الخصوصيَّة}

الصفحة الاخيرة 2024/05/08
...

زيد الحلي

هل هناك خصوصيَّة في عالم الإبداع؟، اسبق الجميع بالقول إن "الخصوصيَّة" المفترضة، ما هي إلا محض (وهّم) عاش في فضائه المثقفون والمبدعون، من دون وعي منهم، وإنها (كذبة) لكثرة تداولها حتى صدّقها، مروّجوها وسارت في دروب وأزقة  الثقافة، مثل حادلة تجرف أمامها كل من يصادفها، فأؤكد وبالفم المليان بأنه، ليست هناك "خصوصيَّة" بالمعنى الذي يروّجون له، ذلك، إن المبدع أيا كانت صفة إبداعه يستمد حاضره من حزمة قراءات ومشاهدات ممن سبقوه أو من جايلوه فيصبح تكوينه بالضرورة، امتدادا لغيره شاء أم أبى... وفي هذه الجزئية أسأل: ماهي "خصوصيَّة" شاعر مثل الجواهري أمام المتنبي او أبي تمام وبالعكس.. وما هي "خصوصيَّة" قاص مثل محمد خضير أمام نجيب محفوظ، وكيف تكون لعبد الوهاب البياتي "خصوصيَّة" أمام بدر شاكر السيَّاب.. والحال ينطبق على المسرحيين والمطربين والتشكيليين، فكل أخذ من الآخر.
وأزيد القول فأذكر، ليس هناك شيء، نطالعه أو نحسّه او نسمعه لا يؤثر فينا، وهذا الأمر ينفي صفة "الخصوصيَّة"... فالجزء مأخوذ من الكل، والكل بسط أفكاره للجزء.. وهكذا.
وفي النهاية، الجميع في خانة الإبداع، طالما، هم أثروا في متلقيهم، من دون النظر لمزاعم ومسميات الـ "خصوصيَّة" .
إنَّ الذين يرفعون يافطات "الخصوصيَّة" ينسون أن الشجرة لا يمكن أن تنمو، وتثمر من دون وجود شرايين حيَّة، قويَّة، بين الجذع والجذور.. فالحياة تستمر في علاقتها بالماضي البعيد جداً والقريب...جداً.
لم يقل، شكسبير، عن نفسه أنّه شاعر ذو خصوصيَّة، أو شاكر مصطفى أنّه كاتب له خصوصيَّة أو جواد سليم، قال إنّه ظهر للملأ فنانا بخصوصيَّة، لم يعرف بها غيره.. الخ.
لم أجد، غضاضة في القول، إنّني أستمتع بقراءة رواية لأديب كبير مثل (غوركي) مثلما يتملكني الانتشاء وأنا أقرأ رواية لأحمد خلف، لا يهمني فيهما، قولة "الخصوصيَّة" لأنني أرهما منارة في الفن القصصي.. والأمر نفسه عند سماعي لروائع محمد عبد الوهاب وسيد درويش أو طالب القره غولي أو ناظم الغزالي.
ما هي "خصوصيَّة" داخل حسن الذي حمل معه نسائم الهور والجبايش ووجع الجنوب ونواحه، إذا ما قارناهُ بحضيري أبو عزيز أو ناصر حكيم... لكل هؤلاء مشتركات، لن نتمكن من فصل أحدهما عن الآخر لأن سمو الإبداع عندهم واحد، اللهم، إلا باختلاف نبرة الصوت، وتلك لن تكون "خصوصيَّة" فصوتي لا يشبه صوتك.. إطلاقا!.
وبكلمة سريعة، صريحة، أعرف أنّها، ستغيظ بعض الممتهنين لكتابة النقد، والذين تستهويهم كلمات "التوصيف" أيا كانت ،أقول: إنّ المبدعين أعطوا ثمار إبداعهم بشموليَّة، فاستحقوا المحبة والإعجاب...والخلود... فالرجاء، أتركوا كلمة "الخصوصيَّة" وتمسكوا بكلمات ذات مضامين متواضعة بألقها، يأنسها المتلقي ويسعد بها، فادّعاء "الخصوصيَّة" وهم كبير وخطير.