الذكاء الاصطناعي.. ضيفٌ يزورُ العراق قريباً
بغداد: رشا عباس ومحمد إسماعيل
تصوير: نهاد العزاوي
توزعت فعاليات المؤتمر العلمي الدولي {الذكاء الاصطناعي وإمكانيات التحول في العلوم الإنسانيَّة} بين قاعة الحكيم وكليَّة الآداب.. جامعة بغداد، على مدى يومي الأحد والاثنين الفائتين، برعاية وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور نعيم العبودي، وإشراف رئيس الجامعة أ. د. بهاء إبراهيم.. المؤتمر نظمته كليَّة الآداب في جامعة بغداد بالتعاون مع المعهد العراقي للحوار.ناقش المؤتمر خمسين بحثاً من عشرين دولة: ألمانيا وإسبانيا وأمريكا وكندا وأستراليا واليابان ومصر وقطر وعمان والأردن وتونس ولبنان والسعوديَّة والإمارات وسوريا، إذ نجحت عمادة كليَّة الآداب في جامعة بغداد بتحشيد الجهود سعياً الى خلق بنية تحتيَّة للعلوم الإنسانيَّة الرقميَّة، تمهيداً لدخول عصر الذكاء الاصطناعي.
قال وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور نعيم العبودي: “من دواعي المسؤوليَّة العلميَّة والأكاديميَّة أنْ تتولى المؤسسات الجامعيَّة مراجعة ملامح التفكير العلمي في كل مرحلة، وتشخيص مستوى الإجابة لمتغيرات المعرفة التي تنطلق من بؤرة مشكّلة تنتمي الى ميدانٍ نوعي أو تمتدُّ حدودها الى مجالات مجاورة بحثاً عن توظيف مساحة التكامل التي تخدم مجتمع المعرفة بشكلٍ عام”، وأكد: “لذلك فإنَّ تلك المؤتمرات التي تنفتحُ على فضاءات قوة العلم والتكنولوجيا تكتسبُ أهميَّة خاصة كونها تراعي إرهاصات التطور المتسارع في عالمنا المملوء بالاكتشافات اليوميَّة، لا سيما القفزة في الذكاء الاصطناعي وتنامي الحاجة الى استثماره في شتى المجالات وانطلاقاً من هذه الرؤية الاستراتيجيَّة فإنَّ وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تؤكد اهتمامها بهذا المسار الذي استدعى منها انطلاق جائزتها للذكاء الاصطناعي في البحث العلمي واستحداث البرامج التخصصيَّة للدراسات الأوليَّة والعليا، فضلاً عن الرسائل والأطاريح والأبحاث التي تعضد هذا الهدف وتوفير زمالاتٍ ومنحٍ دراسيَّة في تخصص الذكاء الاصطناعي في عددٍ من الجامعات العالميَّة”.
ولفت العبودي الى أنَّ “مخرجات هذا المؤتمر ستسهمُ في تطوير العلوم الإنسانيَّة وتحفيزها وتوفر زخماً لتبادل الرؤى والأنماط المبتكرة من خلال عصفٍ ذهنيٍ خلاقٍ وتفكيرٍ عميقٍ في رسم الآليات الكفيلة بإرساء البِنْية العلميَّة وربطها بمسارات فاعلة لتحقيق القراءة اللازمة للتحول المنشود في العلوم الإنسانيَّة عبر ارتكاز على إمكانات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي”.
أداة العصر في التقدم والرفاهيَّة
من جانبه بيَّن رئيس جامعة بغداد الأستاذ الدكتور بهاء إبراهيم إنصاف: “تنظر الجامعة الى هذا المؤتمر على أنه أداة العصر التي ستعزز التقدم والرفاهية للبشريَّة وستكون الجامعات محور التحول التدريجي الى نشر مفاهيم الذكاء الاصطناعي ودمجها بالسلسلة المعرفيَّة في التخصصات والمستويات الدراسيَّة”.
وأضاف: “هذا المحفل يعبر عن التزامنا الأخلاقي والاجتماعي لتوفير نظامٍ تعليمي يسمحُ ببناء جيلٍ قادرٍ على مواجهة التحديات الوجوديَّة الحاليَّة والمستقبليَّة للبشريَّة ومن بينها الاستخدام الآمن والأخلاقي للذكاء الاصطناعي في نواحي الحياة كافة، إذ يعدُّ الذكاء الاصطناعي محركاً رئيساً لنمو الابتكارات في المجالات كافة ولا يستثنى منها قطاع التعليم بالرغم من انشار حلول وتطبيقات الذكاء الاصطناعي بمفهمومه الحديث منذ نهاية القرن العشرين”.
ولفت: “نلاحظ تسارع وتيرة التطور في السنوات الأخيرة الماضيَّة ودخول تطبيقات ونماذج للذكاء الاصطناعي عالية التعقيد والدقة، منها الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي أسهم في تطوير الرؤية الحاسوبيَّة ومعالجة وفهم النصوص اللغويَّة والعمل في أنظمة متعددة المدخلات، انبثقت عنها مدخلات جديدة، مثل تشخيص الأمراض والقيادة الذاتيَّة للمركبات والترجمة وأنظمة الواقع الافتراضي وصولاً الى ما يعرف بالذكاء الاصطناعي العام الذي يحاول بناء نظام له قابليَّة التعلم والتكيف والاستنتاج لحالات تتطلبُ أكثر من المؤثرات الحسيَّة والعاطفيَّة، فضلاً عن قابليَّة التعلم والتذكر”.
مفيداً: “من هذا التطور أصبح لزاماً على الحكومات والجامعات التوسع في إشراك الشعوب بهذا التحول في الأدوات واستخدامات الذكاء الاصطناعي ومحاولة السيطرة على توجهات هذا القطاع الحيوي الذي يقادُ حالياً من قبل الشركات والمؤسسات
الخاصة”.
الأول من نوعه
ونوه عميد كليَّة الآداب.. رئيس المؤتمر الأستاذ الدكتور علي عبد الأمير: “يعدُّ هذا المؤتمر الأول من نوعه في العراق والخامس في العالم، يناقش الأدوار والمسؤوليات في العلوم الإنسانيَّة خلال عصر الذكاء الاصطناعي قبالة التحديات التي قد تواجه هذه العلوم”.
وتابع “المؤتمر فرصة للتواصل الفكري والمعرفي والحوار الأكاديمي، يؤسس لتوظيفٍ فعّالٍ للتطبيقات، بدءاً من التحول الرقمي، ويدعو الى دورٍ مؤثرٍ للعلوم الإنسانيَّة لإيجاد وعيٍ قائمٍ على القيم والأخلاق المجتمعيَّة”.
وواصل: “على العلوم الإنسانيَّة تعزيز أخلاقيات الاستعمال آخذةً بنظر الاعتبار التغيرات الاجتماعيَّة والثقافيَّة المصاحبة، كما سيكون المؤتمر خريطة طريق لإدخال تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسيَّة”، وأوضح: “ينعقد الؤتمر في الوقت الذي يتعرض الشعب الفلسطيني المظلوم لإبادة جماعيَّة وممارسات وحشيَّة يرتكبها الكيان الصهيوني ضدهم بوسائل توظيف الذكاء الاصطناعي لا أخلاقياً، تجاه الحق الفلسطيني بشكلٍ خاصٍ وقضايا العدالة الإنسانيَّة في العالم بشكل عام”.
ودعا عبد الأمير الى “الحد من هذا الانحياز ومخاطره على حقوق الإنسان وممارسته التزييف وتقديم المعلومات المضللة واحتكار الاستعمال وسيطرة الشركات على هذه التطبيقات.. إنها أدوارٌ يجب أنْ تمارسَها العلوم الإنسانيَّة وأربابها.. منها علوم الآداب التي نعملُ على استثمار المؤتمر لبناء استراتيجية للعلوم الإنسانيَّة في مجال الذكاء الاصطناعي تشملُ مجالات ومستويات عدة”.
لآلئ بحثيَّة
ذكر الباحث الألماني الأستاذ الدكتور أنكريكي خيمينيز، في بحثه “منصة المكتبة البابليَّة الألكترونيَّة.. قراءة وإعادة بناء النصوص المسماريَّة بمساعدة الذكاء الاصطناعي” الكتابة المسماريَّة أقدم نصوص معروفة البشريَّة ووجدت على بعد كيلو مترات قليلة من جنوب هذا المكان الذي نقف فيه اليوم، الكتابة باستعمال القصب نوع من كتابة بدائيَّة جداً بتسجيل الأحداث لكنْ على ألواح الطين أرخص وأكثر احتمالاً لظروف الطقس والبيئة لذلك كانت من أقدم أنواع الكتابات التي عرفها الإنسان بالمقارنة لما أقوله وبشكلٍ جادٍ فإنَّ المخزون الرقمي لهذه الأنظمة واستعمالاتها في الوقت الحالي قد يتعدى الخمسين سنة لكتاباتنا الحاليَّة بينما كتابات ألواح الطين قد عاشت وتحملت ما يقارب الخمسة آلاف سنة لغاية الآن ومستمرة بالتحمل لذلك أنصح كلَّ من يريد أنْ يتركَ رسالة عبر التاريخ ولآلاف السنين أنْ يستخدمَ ألواح الطين
القديمة”.
وأكمل الأستاذ الدكتور أحمد محمد القناوي من مصر، في بحثه “تطبيقات الذكاء الاصطناعي في بحوث المناخ الفرص والتحديات”: “ركزت على الأقاليم الجافة وشبه الجافة لكون العراق جزءاً منها، مرجحاً: نركز على مقاصد العلوم الجغرافيَّة ولا سيما المناخ وكيف يمكن للذكاء الاصطناعي أنْ يساعدَ في تحقيق أهداف تلك العلوم”.
و”دور الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي” عنوان بحث قدمه الأستاذ الدكتور عادل عوض.. من مصر، بين خلاله: “من سوء حظ الفلسفة أنَّها لفظ سيئ السمعة.. للأسف نعاني تلك المشكلة؛ التي يعززها الفلاسفة بعيشهم في أبراج عاجيَّة، معلناً: تسوء سمعة الفلسفة لثلاثة أسباب.. أولاً: جهلاء بالفلسفة لا يعرفون شيئاً عنها والثاني: الناس غرضهم بتاريخ الفسفة هو سوفسطائيَّة كانوا جماعة في الفلسفة اليونانيَّة يتاجرون بالكلمة من أجل كسبٍ مادي وهذا الصنف موجودٌ في المجتمع، والثالث: المثقفون والعلماء يعتقدون أنَّ العلوم جميعها تطبيقيَّة وليست نظريَّة.. يهتمون بالجانب التطبيقي ونسوا أنَّ كل ما هو تطبيقي كان نظرياً بالأساس.. فروض فلسفيَّة تحولت الى تطبيقات”.
وألمح: “العلوم جميعها تتسابق لضم الذكاء الاصطناعي الى مجالها والباحث يرى هنا أنَّ الذكاء الاصطناعي ذو بنية منطقيَّة.. نشأ في أحضان المنطق وهو نفط جديد”.
الأدلة الجنائيَّة واستخدام الذكاء
من جانب العراق قدم رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة بغداد الدكتور ثائر العمار، بحثاً يتعلق بالأدلة الجنائيَّة وكيفيَّة استخدام الذكاء الاصطناعي في الكشف عن الملابسات بشكلٍ دقيقٍ ومنظمٍ ومن المؤمل تطبيقه ليخدم المؤسسات ويقف على خلفيَّة بعض ملابسات الجرائم المستحدثة، لا سيما الألكترونيَّة منها”، مستطرداً: “البحوث التي قدمت من دول عدة، جاءت متميزة.. شاملة مجالات العلوم الإنسانيَّة والأثريَّة والإجتماعيَّة، وعلى هذا الأساس سوف تؤسس فكرة إنشاء جامعة أو كليَّة تتخصص بالذكاء الاصطناعي وتتبنى الثورة المعلوماتيَّة الجديدة، مجيباً على سؤال لـ “الصباح”: هل تلك الثورة المعلوماتيَّة الجديد سوف تنافسُ العقل البشري؟ قائلاً: “تلك النافذة الاصطناعيَّة لا تستطيع أنْ تنافس العقل البشري الرباني لكنَّ استخداماته سوف تضع الإنسان أمام تحدياتٍ كبيرة”.
واستفاض أ. د. سلمان حسن هدلة، في بحثه “ترجمات الذكاء الاصطناعي السريعة، لكنْ غير الدقيقة: الواقع وآفاق المستقبل” الى المفاضلة بين الأداء التفاعلي البشري، والرتابة الآليَّة التي تشط عن الإحساس المراد، لا سيما في الترجمات الجماليَّة من أدبٍ وفنٍ وإعلامٍ، يزحف فيها الذكاء الاصطناعي عن الإزاحات الشعوريَّة غير المجدولة في قاموس”، كاشفاً: ترجمة الذكاء الاصطناعي عشوائيَّة، بينما الترجمة البشريَّة تدرك المعنى مضمونياً وتلميحاً وإيحاءً لا يصله الذكاء الاصطناعي، فالبشر يدرك المعنى السياقي والبعد الأخلاقي.. وهما شأنان لا يعنى بهما الذكاء الاصطناعي”.
وعلق د أ. د. وسام خالد عبد الجبار، في بحثه “التفاوض حول تأثير الذكاء الاصطناعي على المهام البحثيَّة لطلاب الجامعات: “التخفيف من الاستخدام غير الأخلاقي وتعزيز الكتابة الأكاديميَّة” على أنَّ الذكاء الاصطناعي يظل يتطور والإنسان يفنى”.
وشارك الباحثان أ. د. علي رضا محمد رضايي وأ. م. د. كاظم فولادي قلعة، ببحث واحد حمل عنوان: “تقديم نموذج عام لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في تطور العلوم الإنسانيَّة” خلصا فيه الى أنَّ الذكاء الاصطناعي يزيد كفاءة الجهد البشري، وليس بديلاً عنه.
وعبرت أ. د. رلى الآلوسي، عن الخطأ الحضاري بنشوء جيلٍ لا يعرف الحياة من دون تكنولوجيا، في بحثها “تحقيق التوازن مع التكنلوجيا: استغلال الفوائد ومواجهة التحديات في عصر الذكاء الاصطناعي.. رؤى للطلاب والباحثين والأساتذة ومدراء المؤسسات التعليميَّة”.
الفلسفة والذكاء الاصطناعي
من جانبه بين أ. د. علي عبود المحمداوي خلال بحثه " «الانسان في مواجهة فعله المتفوق»" ان موضوع الذكاء الصناعي اليوم الشغل الشاغل للانسان المعاصر كما تراهن عليه الكثير من المؤسسات العلمية والاقتصادية والسياسية والعسكرية وهو لايمكن ان يفهم فهما موحدا ولا ان يختزل بوصفه ذا معنى واحدا اذ ان كل واحدة من مجالات الاهتمام به عنت بفعلها غاية مختلفة من غيرها مشيرا ان الذكاء الاصطناعي هو صنيعة وند الانسان فهو من جانب منتج بشري ومن اخر هو ند للانسان ان لم يكن ضدا له في كثير من المجالات الحياتية
ختام بالعنبر
اختتم المؤتمر العلمي الدولي الخامس “الذكاء الاصطناعي وإمكانيَّة التحول في العلوم الإنسانيَّة” بأربع جلسات جرت في اليوم الثاني على قاعة كليَّة الآداب في جامعة بغداد، غذ عزا عضو اللجنة التحضيريَّة د. إحسان كنعان، نجاح المؤتمر الى: جديَّة القائمين عليه وتقدير الدولة والوزارة لأهميَّة الذكاء الاصطناعي، بوصفه يؤمن حياة يوميَّة لأجيال الحاضر والمستقبل، واصفاً: حالياً يعدُّ الذكاء الاصطناعي نخبوياً، من الممكن أنْ ينفتح كبداية على الآتي، منتشراً بسرعة فائقة بين باحثي ومنقبي ودارسي الجغرافيا والآثار، ليصبح جزءاً من العلوم الخدميَّة في الحياة اليوميَّة للمجتمعات، على صعيد النظرة التخيليَّة.