التاريخ عبءٌ أم حافز ؟

آراء 2024/05/09
...








 نرمين المفتي

تشارك العديد من المدونين العراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي نشر صورة بعنوان باللغة الانجليزية يقول (العلماء الذين غيروا مسار تاريخ البشرية). ضمت الصورة 20 عالما على مر التاريخ وصولا للإنترنت، نصفهم من العراق وهم الكندي، ابن بطلان، ابن قرة، ابن الهيثم، ابن حيان، الكحّال، ابن البيطار، الدؤلي والخوارزمي.
وكما نرى الأسماء العراقية ساهمت بتطوير علوم عديدة خاصة في الطب والصيدلة والكيمياء والبصريات والرياضيات، فضلا على اللغة والفلسفة. وقطعا قبل هذه الأسماء وغيرها بالمئات، هناك العراقيين القدماء الذين أسّسوا التاريخ حين ابتكروا الكتابة واخترعوا العجلة في الألف الرابع قبل الميلاد. يؤكد التاريخ أن العراق أو بلاد الرافدين، كان مهد الحضارة. وسؤال يفرض نفسه، اين نحن من ذلك التاريخ؟
في أوتاوا نهاية سنة 2018، كان الدليل السياحي يشير إلى اقدم بيت في كندا وعمره 150 سنة (هم لا يشيرون إلى تاريخ الكنديين الأصليين)، وحين عرف انني من العراق، قال بأن التاريخ العظيم يكون غالبا عبئا على اكتاف من لا يتمكن أن يكون بمستواه، واضاف بأنهم محظوظون لانهم يصنعون
 تاريخهم.
بعيدا عن كتب التاريخ المنهجية التي درسناها في المراحل الدراسية، فهي غالبا، ليس في العراق وحده، تكتب لجعل الدارسين أن يفتخروا بتاريخ بلدهم وأسلافهم، ولكن بدون تحليل لما حدث واحيانا تكون فيها مبالغات في تاريخ فترة ما، فإن التاريخ عبء حقيقي، سواء ايجابياً أو سلبيا. فالعلماء الذين تشارك المدونون نشر صورهم، شكلوا محل فخر ولكن ماذا بعد الفخر؟
فالتاريخ ليس للفخر فقط، انما المفروض أن يكون نقطة بداية دائما نحو الأفضل وقطعا تحتاج هذه النقطة إلى ظروف وأدوات وجو من الاستقرار الامني والسلام المجتمعي. وان افتقدت هذه الضروريات، فإن هذا الفخر يتحول إلى هروب من الواقع غالبا وأحيانا إلى جلد الذات. وللتاريخ، بعيدا عن الشخصيات التي تركت منجزات في مجالات مختلفة، تأثيره السلبي ان حاول البعض التمسك به بدون تحليل كما اسلفنا، وبدون التأكد من صحة الاحداث ويزيد الطين بلّة ان يتم تأليف عشرات وربما مئات الكتب عن حدث ما بدون اية اضافة جديدة، فالحدث وليد ظرفه. ولن أنسى الاشارة إلى تاريخ الانتصارات الذي يكتبه المنتصرون. ان اشارة الدليل السياحي الكندي إلى انهم محظوظون، كانت صحيحة، فتاريخهم ليس بعيدا وليس من المعقول ان يتلاعب بكتابته احدهم لسبب أو آخر.
من هنا، نلمس الاختلاف في التعامل مع التاريخ بين الشعوب أو الدول. ففي الوقت الذي تحاول فيه شعوب لديها تاريخ مسجل من آلاف السنوات لكنهم، حاليا، ليس لديهم منجزات، ان تشعر الشعوب التي بالكاد لديها تاريخ عمره مئات السنوات، بأنها افضل منها! هذا الفخر السلبي وغير المنتج، لكن هناك استثناءات، مثلا الصين، الدولة التي تتفاخر بتاريخها الممتد بعيدا، تمكنت ان تكون بحجم حضاراتها القديمة من خلال التطور العلمي والتقني والفني، لذلك لا تجد سببا للتهرب نحو التاريخ لنسيان الحاضر غير المنتج.
لا بد من اعادة قراءة التاريخ ليكون، كما اسلفت، نقطة بداية من الحاضر إلى المستقبل، اي ان يكون التاريخ الحافز وليس العبء، ولكي يكون الحافز، نحتاج إلى توفير الضروريات التي ذكرتها في سياق الحديث..