بدءاً، نقصد بالتنمر، أي تصرفٍ عداوني يسيء إلى الآخر ويقللُ من شأنه، سواء بألفاظ عدوانيَّة ومسيئة، أو تصرفات جسديَّة كالضرب والاعتداء، أو التهديد عبر الهاتف، أو الرسائل عبر الإيميل، أو سرقة الممتلكات والأموال، أو تشويه سمعة الآخرين والسخريَّة منهم، الذي ينتشر عند الأطفال بعمر الدراسة بشكلٍ خاص.
ولقد شغلت ظاهرة التنمر عند الأطفال اهتمامَ علماءِ نفس الطفولة بعد أنْ شاعت وصارت مشكلة كبرى تعاني منها مختلف المجتمعات في شتى أنحاء العالم، لا سيما التنمر أثناء مرحلة الطفولة بوصفه أخطر أنواعه ولما له من آثارٍ صحيَّة عميقة قد تستمرُّ إلى مراحل متقدمة من الحياة.
خطرٌ على الصحة العقليَّة
وتحذرنا الدراسات من أنَّ التنمر خطرٌ على الصحة العقليَّة للأطفال (حيث تتمثل أبرز عواقبه في زيادة القلق والاكتئاب والتفكير بطريقة غير منطقيَّة.. وتعرض العديد منهم للإصابة بأمراضٍ عقليَّة خطيرة في المستقبل).
ووفقاً لورقة بحثيَّة نشرت مؤخراً في مجلة (هارفارد للطب النفسي) فإنَّ المرأة التي تعرضت للتنمر عندما كانت طفلة، تزيد احتماليَّة إصابتها باضطراب الهلع في سن الشباب بمقدار 27 مرة، بينما يؤدي التنمر عند الرجال في مرحلة الطفولة إلى زيادة قدرها 18 ضعفاً في التفكير بالانتحار.
وللتنمر أيضاً عواقب طويلة الأمد على الحياة الاجتماعيَّة للناس، إذ يجد العديد من الضحايا صعوبة في تكوين صداقات حقيقيَّة في وقتٍ لاحقٍ من حياتهم، ويقلُّ احتمال العيش مع شريك الحياة لمدة طويلة، ولهذا تكثر حالات الطلاق بين الضحايا. وأحد الاحتمالات التي تفسر هذا هو أنهم يكافحون من أجل الثقة في الناس من حولهم. وفي هذا السياق تقول عالمة النفس أرسينولت: «الأطفال الذين تعرضوا للتنمر، قد يفسرون العلاقات الاجتماعيَّة بطريقة خاطئة تهدد
مستقبلهم».
ليس هذا فقط، بل إنَّ التنمر يؤدي الى انخفاض درجات ضحاياه وتقليل فرص عملهم في المستقبل، ويجعلهم أكثر عرضة لعدم الاستقرار المالي والبطالة في سن الرشد، بينما توصل أحد الباحثين الى أنَّ للتنمر «عواقب طويلة الأمد على الحياة الاجتماعيَّة للناس حيث يجد ضحاياه صعوبة في تكوين صداقات حقيقيَّة».
وتشير هذه النتائج مجتمعة إلى أنَّ محاولات القضاء على التنمر ليست مجرد واجبٍ أخلاقي للتخفيف من معاناة الأطفال الفوريَّة، ولكنها ستعود بفوائد طويلة الأمد على صحة السكان ككل.
برامج لمنع التنمر
إدراكاً لخطورة التنمر على الأسرة والمدرسة والمجتمع فقد ابتكر عالمُ النفس السويدي (دان اولويوس) برنامجاً لمنع التنمر تقوم فكرته على أنَّ الحالات الفرديَّة للتنمر غالباً ما تكون نتاجَ ثقافة أوسع تتسامحُ مع الإيذاء، ونتيجة لذلك، يحاول معالجة النظام البيئي للمدرسة كاملاً حتى لا يزدهر هذا السلوك السيئ فيه، وقيام المدارس بإجراء مسحٍ لطرح أسئلة على الطلاب حول تجاربهم، وأنْ يكون البالغون قدوة إيجابيَّة تعزز السلوكيات الجيدة ولا تتسامح مطلقاً مع أي شكلٍ من أشكال الإيذاء.
كما يجب أنْ يتعلموا أيضاً التعرف على المواقع داخل المدرسة التي يحدث فيها التنمر، والإشراف عليها بانتظام، وألا تكون العقوبات مفاجئة للطفل.
المعلمون.. مع التحيَّة
اعلموا أحبتنا أنَّ العمل على تعزيز العلاقات داخل الغرفة الصفيَّة وتعريف الطلبة بنقاط القوة والضعف، فضلاً عن التعامل معهم بأسلوبٍ لطيف، وتقديم الدعم العاطفي والمعنوي، يعالج مشكلات عدة تتعلق بالاكتئاب والضيق، الأمر الذي يقلل من العدوانيَّة الجسديَّة والسخريَّة، ويرفع بدوره التحصيل الدراسي للطلبة. واعملوا على أنْ تجعلوا المدرسة بيئة إيجابيَّة لها لمسة خاصة حتى في طريقة إلقاء التحيَّة، فكلما كانت هذه البيئة إيجابيَّة وصحيَّة، كلما قلت حالات التنمر والنزاعات والأعمال التخريبيَّة لدرجة أنَّ تأثيره الإيجابي سيمتدُّ على صحة وسعادة العديد من الأجيال القادمة.
نرجو أنْ تكون قد وصلت رسالة (الصباح) لكم.. مع التحيَّة.