الرؤية الشعريَّة.. جدليَّة الصراع بين الموت والحياة

ثقافة 2024/05/12
...

  كربلاء: صلاح حسن السيلاوي 

ألقت الناقدة الدكتورة كريمة المدني محاضرة نقدية بعنوان {الرؤية الشعرية في شعر أديب كمال الدين ويحيى السماوي، قراءة أسلوبية موازنة في جدل الأضداد}.

الأمسية التي أقيمت ضمن فعاليات ملتقى أدب المرأة التابع لاتحاد أدباء كربلاء عقدت على قاعة الاتحاد وسط المدينة وحضرها جمع من المثقفين والأكاديميين وأدارتها القاصة أفنان الأسدي.

ابتدأت مديرة الأمسية بالحديث عن مفاهيم الشعريّة الخالصة مع قراءة السيرة الذاتية للمدني التي استهلت محاضرتها بمقدمة ومدخل مفاهيمي يحوي على مفهوم مصطلح الاضداد الاسلوبية عرضت فيه أهم مراحل تطور المصطلح في الدراسات الأدبية والنقدية، أما المحور الأول من محاضرتها فتمثل بدراسة جدلية الصراع بين الموت والحياة عند كلا الشاعرين واختارت نماذج شعرية لكليهما وتحليل تلك النماذج وبيان فكرة التشابه والاختلاف بينهما.

فيما درست المدني في المحور الثاني والثالث من المحاضرة جدلية الماضي والحاضر والإشارات الدينية والثقافية وتم فيه بيان أهم الاختيارات الشعرية لكلا الشاعرين فيما درست في المبحث الأخير جدلية الصراع بين صدمة الصورة وتجريد الرؤية.

ثم تكلمت عما يحققه الإدراك الجمالي الأسلوبي في النصوص الإبداعية عبر آليات وتقنيات متعددة منها تقنية المفارقة الأسلوبية التي تحقق الشعرية في تلك النصوص عبر اثارة التأويل والتحليل وكشف فجوات النصوص المستغلقة والذي يكشف - حسب المدني - عن وعي مفارق للوعي الجمالي فتكمن المفارقة في الاحتمالات الشعرية المتنوعة المقاصد لما فيها من ايحاءات دلالية وجمالية تشكل دهشة لدى المتلقي، مشيرة إلى أن الشعر المعاصر شكل ثيمة مهمة لقراءة تقنيات المفارقة، لأن الشاعر المعاصر كثيرا ما يعمد إلى توظيف هذه التقنية الاسلوبية في نصوصه الشعرية والتي تكشف عن الاثارة الحركية الشعرية الذكية التي يوظفها الشاعر مبينا حدة التوتر النفسي والتكثيف الدلالي.

ثم لفتت المحاضِرة إلى أن الشاعرين يمثلان حركة الشعر المعاصر المتمثل بقصيدتي التفعيلة والنثر، وأن ظاهرة المفارقة الإسلوبية مثلت حركة شعرية تجربيبة مهمة وفاعلة في شعرهما، وحققت أعلى درجات الشعرية، فقد مثلت لكل منهما فلسفة شعرية خاصة بكل شاعر تعكس تجاربه الشعرية والحياتية وتمثل انزياحا كاشفا لمضمرات دوافعه وانفعالاته فجاءت ترصد التوتر الشعري الانفعالي لديهما فمثلت موضوعا جماليا مختلفا ومتناظرا بينهما.

وأضافت المحاضِرة تحت عنوان "مدخل مفاهيمي" ما يلي: تمثل الرؤية الشعرية  خاصية إبداعية فاعلة لكل شاعر، وهي تعد واحدة من الإمكانات الأسلوبية التي يقدمها الخطاب اللغوي والذي يكتسب بفضلها سمة الأدبية بأبعادها الجمالية، وبهذا يكون النص ممارسة دلالية ذات نظام خاص يعيد للكلام طاقته الفاعلة ضمن حيز الفضاء الذي يتصل فيه مبدع النص ومتلقيه، فالثنائية الضدية لا تخرج عن كونها أسلوبا أو نمطا بلاغيا يوظفها المبدع ليقول قولا أو يتصرف تصرفا يحمل معنيين أحدهما ظاهري والآخر باطني، بمعنى آخر تظهر بمصاحبة البنية السطحية والبنية العميقة، وهي في ذلك تعني انزياحا داخليا تتأسس قاعدته المعيارية على هيأة نسق مميز يتلاشى النسق ليظهر نسق آخر يفارقه في خصائصه الصوتية والتركيبية والدلالية.

وقد عرفت الضدية بتعريفات كثيرة متشابكة مع بعضها، ولعل من أبرزها ما ذهب إليه أحد الباحثين من أنها "عبارة عن لعبة لغوية ماهرة وذكية بين الطرفين صانع المفارقة وقارئها على نحو يقدم فيها صانع المفارقة النص بطريقة تستثير القارئ وتدعوه إلى رفض معناه الحرفي وذلك لصالح المعنى الخفي الذي غالبا ما يكون المعنى الضد، وهو بذلك يجعل اللغة يرتطم بعضها ببعض"، بينما هناك من يرى المفارقة هي "شكوك تتحول إلى نوع من القلق مطلوب في الكناية ومن شأن هذا القلق ابقاء تلاعب الرموز وتعدد الدلالات قائما". والشعرية هي انتهاك لغوي لأنساق لغوية تجاوزية في مدها الشعوري وتركيزها الدلالي، فأن المعنى يبقى مفتوحا "لا نهائيا" وهذا يعني أن الموضوع المتمثل أو المعنى في الموضوع الجمالي لا يكون متعلقا، لأنه ليس معنى منطقي يقبل الترجمة إلى لغة النثر الواضحة المحددة، وبالتالي فأنه لا يمكن استنفاده، ورغم أنه لا يستنفد فانه يكون مباطنا برمته في المحسوس، لأن المحسوس هو عينه الذي يجعله غير قابل، لأن يستنفد، حيث أنه يمده بخصوبة لا تنضب وبذلك تقوم عليه بنية الموضوع الجمالي.

ثم بينت المدني بعض السمات الفاعلة في شعر كمال الدين والسماوي فقالت: من أبرز السمات الاسلوبية الفاعلة في شعر هذين الشاعرين هي جدلية الاضداد وهي المزاوجات الضدية التي تفجرها الانساق اللغوية على مستوى المتناقضات ولذلك تعد الرؤيا الشعرية هي جوهر المتضادات . 

وعن الظواهر الشعرية التي رصدتَها في شعر أديب كمال الدين ويحيى السماوي قالت: الظواهر التي رصدتُها في شعرهما هي "جدل الحياة والموت" و "صراع جدلية الماضي والحاضر" و "جدل الثنائية بين الدين والثقافة" و"جدلية صدمة الصورة وتجريد الرؤيا"، ثم خلصت إلى خاتمة لمحاضرتها قالت فيها: تعد الرؤية الشعرية تقنية أسلوبية تحقق غايات شعرية تكمن في الواقع الجديد والمفاجأة والدهشة التي تخلقها وفي الايحاء المتولد من تكثيف الصور الشعرية ذات المعاني والإيحاءات العميقة.

1. تنعقد بنية جدلية الاضداد على علاقات التضاد بين الدوال الشعرية لتحقيق فضاء شعري من المتناقضات والثنائيات الضدية التي ترتبط بالموقف الفكري والوجداني الذي توحي به القصيدة الشعرية.

2. تمثل في شعر أديب كمال الدين أنواع متعددة من الثنائيات المتضادة الجدلية  تكمن في الاحتمالات الشعرية المفتوحة التي يفجرها النص الشعري في صور شعرية متضادة في انساقها اللغوية. وكذلك في شعر يحيى السماوي ظهرت صور مفارقية متنوعة تكشف حجم المأساة والوجع الذي يعيشه الاخرون. 

3. مثلت جدلية الحياة والموت في شعر الشاعرين صورا شعرية تتجلى في مهيمنات اسلوبية - انزياحية متنوعة بين صور التشبيه والاستعارة معززة الصورة الجمالية وحيويتها الشعرية واستعاراتها المكثفة عند كلا الشاعرين، فكانت فاعلية القصائد تمثل تقنية التضاد بتفعيل الرؤية وخلق ايحاءاتها وتفاعلاتها النصية.

4. مثلت جدلية الصراع بين الماضي والحاضر في نصوص الشاعرين تقنية فاعلة في انتاج صور شعرية متضادة في سرد موصوفات شعرية حفزت المعاني الايحائية المعتمدة نسق السرد الشعري في جذب رؤى القارئ.

5. أدت نسقية المتضادات في الإشارات الدينية والثقافية في شعر أديب كمال الدين دورها الشعري- الأسلوبي التحفيزي في تحقيق المفاعلة النصية عبر التمازج بين النصوص الدينية والتاريخية والنصوص الشعرية، مما أدى إلى خلق مفاعلة نصية بين الدلالتين، أما في شعر يحيى السماوي فقد كشفت المفارقات التناصية حقيقة الأوضاع التي يعانيها كثير من الناس وعلاقة تلك التناصات بمقصدية الشاعر.

6. شكلت جدلية الرؤية الشعرية في صدمة الصورة وتجريد الرؤية  في شعر أديب كمال الدين ويحيى السماوي على متضادات لغوية ذات جدل وحوار فني/ شعري يشي بالمفارقة الحوارية إلى خلق حوارات شعرية في البوح عما يعتلج الشاعر من أحاسيس ومشاعر ذات عمق تاريخي وموقف شعوري مكثف.

أعلنت بعد ذلك مديرة الأمسية عن فتح باب المداخلات التي أسهم فيها الناقد الدكتور علي حسين يوسف والشاعر فاضل عزيز فرمان والروائي إبراهيم سبتي والناقد الدكتور عمار الياسري وفي الختام قدمت القاصة زينب الأسدي شهادة تقدير اتحاد أدباء كربلاء التقديرية للدكتورة كريمة المدني.