عبد الهادي مهودر
التقيت في الأسابيع الأخيرة بطلاب عراقيين يدرسون في جامعات اقليم كردستان وتركيا، يتقنون العديد من اللغات العالميَّة إلا اللغة العربيَّة الأم أو الأخت إن صحَّ التعبير، والكثير من طلاب الإقليم وخريجي جامعاته يجيدون اللغة الانكليزية بطلاقة، مقابل تراجع في أعداد الطلبة والمواطنين الذين لا يجيدون التحدث باللغة العربيَّة، بحيث لم نجد في قاعة درس واحدة لإحدى الجامعات غير طالبة واحدة تتحدث العربيَّة بالكاد، والمواطنون الكرد الذين تعرضوا لحملة تعريب في عهد النظام السابق ويتذكرونها بمرارة، ربما حصل لديهم ما يمكن وصفه بهجرة للغة العربيَّة كردّة فعل وللحفاظ على هويتهم ولغتهم الأساس، او لأسباب أخرى، وإجادة اللغات هو مصدر ثراء فكري ودليل كفاءة وسعة أفق في عالم اختلاف الألسن وإحدى آيات الخالق ومعجزاته، والمواطن العراقي عربياً كان أم كردياً ومن أية قومية أخرى من حسن حظه لو يتقن جميع لغات أبناء بلده المعترف بها دستورياً، لكن الغريب أنّنا كعراقيين لا نتعلّم اللغات بسهولة، ولم نأخذ من العثمانيين والبريطانيين والامريكان لغاتهم مثلما تعلّم المصريون والمغاربة اللغة الفرنسية بعد سياسة الفرنسة، وحسب دراسة لمجلة أمريكية فإنَّ العراقيين لا يجيدون اتقان اللغة الانكليزية ويحتلون المراتب الأخيرة عالميَّاً في تعلّم اللغات، ومعروف عن جيل كبير من العراقيين صعوبة تعلّم اللغات الأخرى لسوء طرائق التدريس ولقلة الاختلاط والسفر آنذاك، والعربية مثل أيَّة لغة تدرّس في مدارس وجامعات دول العالم، وتعليم اللغة العربيَّة لا يقل أهمية عن تعليم الانكليزية، والكثير من طلاب اقليم كردستان سيكون الجهل باللغة العربيَّة عائقاً أمام حصولهم على فرص عمل في الدول العربيَّة، وقد حصل ذلك بالفعل وسمعت من أصدقاء في الإقليم عن مصاعب من هذا النوع واجهت العديد من الشباب عند انتقالهم الى دولة خليجيَّة على سبيل المثال، وهذه الملاحظة تشبه الى حد كبير حالات أخرى لمواطنين عراقيين يعملون او يدرسون خارج العراق من الذين ولد أبناؤهم ودرسوا في دول اوروبا وامريكا وباتوا غرباء على اللغة العربيَّة، وواجهت أسرهم مصاعب في اندماج أبنائها في المدارس والجامعات العراقيَّة والمجتمع بعد العودة الى أرض الوطن، ما يستوجب بقاء اللغة العربيَّة ملازمة للعراقيين المسافرين لأغراض العمل والدراسة والمبتعثين والمهاجرين على حدٍّ سواء.
أما المفارقة في التحدث باللغة العربيَّة بالنسبة للسياسيين فتميل الكفة هذه المرة لصالح السياسيين الكرد الذين يجيد الكثير منهم اللغة العربية كتابةً ونطقاً خلافاً للسياسيين العرب الذين لا يجيدون اللغة الكرديَّة في الأعم الأغلب ولا الإنكليزية وبعضهم لا يتقن حتى لغته العربيَّة.