{طعم التفاح أحمر}.. سينما رمزيَّة تعالج مشكلات بيئية

ثقافة 2024/05/13
...

 دمشق: علي العقباني

 لم يذهب المخرج الشاب إيهاب طربية المولود في هضبة الجولان السوري المحتل في فيلمه الروائي الطويل الأول {طعم التفاح أحمر}.. بعد عدد من الأفلام القصيرة والوثائقية، والتي تناول فيها قضايا وأحلاما خاصة وعامة، لم يذهب نحو قضايا تتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي ولا نضالات أهل الجولان في الداخل ولا واقع الاحتلال والناس فذلك قدمه كثيرون سابقاً.
فقد اختار لفيلمه منحى آخر، إشكالي وانساني ومغرق في تفاصيل بشر، يعيشون في تلك البقعة الصغيرة من العالم وينتمون إلى طائفة "الموحدون الدروز"، والتي تقوم إحدى ركائز عقيدتهم على فكرة "التقمص"، والتي تعني امكانية انتقال الروح من جسد ميت لطفل يخلق في مكان ما، تلك العقيدة هي ركيزة البناء الدرامي للفيلم وعصبه الرئيس، فمن خلالها سنطلع على مواقف الناس ورجال الدين من طفل كان في "جيله"، أي في حياته السابقة قاتلاً، ويُطرد من المجتمع وهو لا يفهم لماذا يحدث ذلك وبتلك القسوة، وربما تعلن محاكمته، لكن ماذا لو ماتت الضحية والجلاد في يوم واحد وخُلقا في بيت واحد، سؤال اشكالي ووجودي وعقيدي بامتياز.
تلك الخلفية ستحمل طربيه لقول ما يرغب فيروي لنا قصة عائلة من الجولان السوري المحتل تنتمي إلى المذهب الدرزي، حيث يفتتح الفيلم على امرأة تُجلس طفلها في مجلس الشيوخ ويروي لهم ماضيه، حيث كان جندياً في جيش النظام في سورية، وستكون المجادلة هنا حول قبول الطفل بطفولته ومكانه الجديد أم بماضيه، وما ارتكبه من أفعال، ومن هنا تنفتح الحكايات الدفينة في قلب الماضي، من خلال حياة وعاىلة وموقع الشيخ كامل الزعيم الديني في المجتمع الدرزي، وما سيعيشه من تناقضات وصراعات شخصية ومجتمعية، وهنا سنشاهد حكاية أخيه أحمد الذي ظلت العائلة تلاحقه باغتصاب سيدة تزوجها "الشيخ كامل" فيما بعد عام 1967 وهو التاريخ الذي أطلق عليه عام النكسة والذي احتلت فيه إسرائيل مناطق عربية ومنها الجولان.
يحفل الفيلم برمزية مفرطة في الخصوصية المكانية والعقائدية المرتبطة بأهل المنطقة "التقمص" وكذلك عنوان الفيلم" طعم التفاح أحمر"، حيث تشتهر تلك المنطقة بزراعة التفاح وهو لون التفاح الذي يتناوله الشيخ، مروراً بالولادة المتعسرة لطفل سيلاقي في ما بعد مصير مأساوي، حيث يأكله ثلاثة من تيوس الماعز ، والذئب المتربص في تلك المغارة البعيدة بجثث الماعز المذبوح، ورجوع شخصيات الفيلم إلى إحداث 1967، وصولاً إلى موت الشخصين اللذين اغتصبا تلك المرأة وولادة توأم في ذات اللحظة، وهو ما يجعلنا نصف الفيلم في اطار ما يسمى بالسينما الرمزية في نظرة سوداوية لواقع الناس، وحياتهم وعلاقاتهم في تلك المنطقة مع أمل بسيط في حدوث تغيير هناك.
يصل "أحمد" أخو الشيخ كامل، والذي غادر البلاد عقب فعلة الاغتصاب وحرب 1967 إلى الأراضي السورية، متجاوزاً الحدود إلى بيت أخيه مثخناً بجراحه أثر إحدى المعارك في الطرف الآخر، الجانب السوري من الحدود، ويقع الأخ في تناقض كبير بين طرد أخيه الموالي للنظام والذي سيشكل حضوره مشكلة كبيرة في القرية، فيقرر اخفاؤه ومعالجته في غرفة صغيرة عن طريق ابنته "سلمى" وفي ذات الوقت يعود "مصطفى" زوج سلمى الذي ذهب للقتال مع الجيش السوري ضد المسلحين في تلك المنطقة.
وهناك تتكشف الأحداث واحدة تلو الأخرى، فيلتقي أحمد وشريكه في الاغتصاب الذي يهدد الأخوين بإبلاغ أهل القرية بوجوده، وهو ما يدفعه في النهاية لقتله. فيلم اشكالي في تناوله لموضوعه وموقف الناس هناك من الحرب السورية بين مؤيد ومعارض، ومن الصراع العربي الإسرائيلي هناك، ولافت في تناوله ولغته البصرية ورمزيته وأمكنته وايقاعه السينمائي الخاص، وأداء الممثلين وإن عاب بعضهم عم التقاط اللهجة، فكانت مزيجاً من اللهجة الفلسطينية ولهجة أهل المنطقة. قدم المخرج إيهاب طربيه والذي يعيش في هضبة الجولان السوري المحتل خلال مسيرته عدداً من الأفلام الروائية القصيرة والوثائقية، ومنها فيلم "المنسيون" عام 2012 الذي فاز عنه بجائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان الدوحة ترابيكا السينمائي، كما ترشح لنيل جائزة الفيلم الأوروبي عام 2015 عن فيلمه "اضحك.. تضحك لك الدنيا" وشارك فيلمه "طعم التفاح أحمر" بمهرجان تورنتو بكندا ولمهرجان الدولي للفيلم بمراكش .
الفيلم مدته 123 دقيقة، ومن بطولة ربى بلال وسهيل حداد وشادن قنبورة ومكرم خوري وطارق قبطي، وآخرون.