رواد الفن العالمي في أوراق منسيَّة

ثقافة 2024/05/14
...

  سريعة سليم حديد


«أوراق منسيَّة لم تنشر بعد».. هذا ما جاء في عنوان كتاب «مطالعات في الفن التشكيلي العالمي» في اشارة إلى تناوله لأعلام ومدارس وتيارات فنيَّة. 

وركز صدقي إسماعيل مؤلف مقالات الكتاب أو ربَّما مترجمها على كل ما يتعلَّق بالفن التشكيلي العالمي، وتحديدا بداية الخمسينيات من القرن الماضي، عبر الأديبة عواطف الحفَّار إسماعيل التي قامت بإرسالها إلى الهيئة العامة السوريَّة للكتاب.

وتناولت أوَّل مقالات الكتاب «مايكل آنجلو» وقيامه بتزيين سقف كنيسة «السكستين» وتخلَّد اسمه إلى الأبد، وكيف بدت تفاصيل عمل آنجلو بإعادة تصميم السلّم الذي يصل القبَّة، بحيث كان رأسه يلامس السقف، عندما يقف عليه.

كان يزعجه وجود الناس وضجيجهم أثناء العمل، فهو بحاجة للوحدة، من دون أي مساعد له، وفي استعداد لأن يرسم القبَّة بكاملها من دون أن يكون قربه أي رقيب على هذا العمل المقدَّس. 

اللافت في الأمر الوضعيَّة التي كان عليها أثناء رسمه للقبَّة، فقد كان يتمدد في أكثر الأوقات، ورأسه نحو الخلف، لذا فمن البديهي أن تسيل الألوان على وجهه.

وتابعت المقالة سرد حالة «مايكل» في رسمه للقبَّة، وكذلك الحديث عن النتائج المؤسفة التي تركها هذا العمل على جسده، وكيف أنه لم يعد يستطيع النظر إلى الأرض أو القراءة بسهولة.

كما وتناول الكتاب حياة «بيتر بروغل» واهتمامه في الرسم، وماذا كان يقع على حياة القرويين، وكيف كان يرسم تبدُّل الفصول التي كانت تترك أثرها على نمط حياة الناس، لكن طابعاً ملحوظاً يظهر على لوحاته، وهو الكآبة، الأمر الذي يوحي بمدى إحساسه العميق بمن حوله.

إن أشهر لوحة له هي «قافلة العميان» وقد رسمها في أواخر حياته، وهي تمثِّل «عدداً من العميان، يحملون عكّاَزاتهم، يستند بعضهم إلى بعض، على ممر ثلجي، معتمدين في ذلك على أول القافلة، وهو أعمى مثلهم، ولكن يوشك أن يهوي في حفرة».

 كان «بروغل» يدخل الأسطورة في رسوماته التي تتعلَّق بالإنسان، ومن الصعب عليه أن يتهرَّب من فكرة الموت التي كانت تلاحقه في معظمها.

أيضا حياة «رامبرانت» الذي يعد من أهم عمالقة الفن في عصره، حتى لقَّب بملك الفن، لمهارته في نقل الأحاسيس والانفعالات عبر وجوه الذين يعيشون حالة النشوة والألم في الوقت ذاته، كما اعتنى كثيراً بتوزيع الضوء على نحو مغاير لما هو سائد في عصره، يظهر هذا في لوحة «المفكِّر في خلوته». 

كما وتناول الكتاب «كاتسوشيكا هوكوساي» وهو فنان ياباني يهتمُّ برسم الطبيعة من حوله بألوان صافية زاهية عارضاً الكثير من التفاصيل بشكل دقيق، حتى أضحى معلِّماً. 

وجلَّ ما كان يميِّزه هو توقيعه باسم «العجوز المجنون بالرسم».

هناك الكثير من عمالقة الفن الذين لا يمكن تجاهلهم في هذا الكتاب لما لهم من بصمات مغروسة في عمق الأصالة والجمال، مثل «جان فرانسوا مييه» الذي أغرق نفسه في رسم وجوه البسطاء والفقراء، من الذين قال عنهم بودلير: بأنهم يحملون نوعاً من التوحُّش الغامض.

كما ولا يمكننا إلا التوقُّف عند «فينسنت فان كوخ» لعصبيته  وشراسته.. صفات دفعته إلى محاولة قتل صديقه «غوغان» وقطع أذنه، ثم قدَّمها إلى الفتاة التي أبدت إعجابها بأذنيه، ومن يومها أصبح مجنوناً يعتكف مرسمه، فكان يخرج إلى الحقول البعيدة مع وهج الشمس، فرسم مشهداً لسنابل القمح، وكانت بعض الغربان تحوم حوله، فتناول البندقيَّة ليطلقها على الغربان، إلا أنه صوَّب البندقيَّة إلى قلبه، وأطلق الرصاص.

إن منشأ الفن التجريدي كان على يد «فاسيلي كاندينسكي»  قد أثار الجدل بين معارض ومويد، فأعتبره بعضهم فنَّاً أجوف لا قيمة له، بينما وجده غيرهم طريقة جديدة للتعبير عن العاطفة بدلائل بصرية.

كما وقد عرض الكتاب أيضا مذاهب الانطباعيَّة والسورياليَّة مروراً بالأربسك  والتصوير التعبيري  والفن المتوحِّش الذي يشبه إنسان الغابة القديم، الكائن الفردي المتوحِّش، لذلك لقَّب الذين ينتمون إلى هذا الفن بالمتوحِّشين أو الضواري، ومنهم «بيكاسو،هنري ماتيس».

وينتهي الكتاب بلوحة من الفن الفارسي، الذي يمثله الفنان بهزاد، وقد انتقدوه لعدم قيامه بثورة على القيود التقليديَّة، لكنَّه صار زعيماً لمذهب سار عليه من بعده، مما جعل هذا الفن عالميَّاً.