أورهان باموك: الكتب العظيمة هي روايات دائماً
ترجمة: نجاح الجبيلي
أورهان باموك: ولد عام 1952 كاتب تركي حاز على جائزة نوبل عام 2006 من رواياته: ثلج، اسمي أحمر، البيت الصامت، متحف البراءة، ليالي الطاعون وغيرها.
◄ ما هي الكتب الموجودة على منضدتك الآن؟
الشاهنامة للفردوسي وعنوانه الفرعي:” كتاب الملوك الفرس” ترجمها بصورة رائعة ديك دافيز وصدرت ضمن كلاسيكيات دار نشر بنغوين. ومثل “الليالي العربية” لجلال الدين الرومي فإن الشاهنامة بحر كبير من القصص التي تعرض من وقت لآخر في ترجمات تركية وإنكليزية مختلفة التي جرى توظيفها كقصة قديمة كما فعلت في روايتي “اسمي أحمر” و”الكتاب الأسود”. في قلب هذه الملحمة يكمن بحث البطل العظيم سوهراب عن أبيه رستم الذي دون أن يعرف أنه ابنه يقوم بقتله في نزاع بينهما.
إن مكان أحداث هذه القصة المأساوية العظيمة في العرف الأدبي الفارسي- العثماني- المغولي مشابه جداً لمكان أسطورة أوديب في العرف الغربي، لكن القصة ما زالت تنتظر فرويداً جديداً ليكتشفها ويعقد التشابهات والاختلافات بينها. فالأدب المُقارن يعلمنا الكثير عن علاقة الشرق بالغرب أكثر مما تعلمنا بلاغة “صدام الحضارات”.
◄ ما آخر كتاب عظيم قرأته؟
الكتاب العظيمة حقاً هي روايات دائماً. مثل “آنا كارنينا” و”الأخوة كارامازوف” و”الجبل السحري” تماماً مثل “الشاهنامة” أنا أعود إلى هذه الكتب من وقت لآخر لكي أتذكر كيف أن الكتاب العظيم يؤثر فينا أو أن أعلم طلابي في جامعة كولومبيا حولها.
الكتب السيئة هي روايات رديئة أيضاً. فمثلما تمنحني الكتب الجيدة فرحة كوني حياً فإن الروايات الرديئة تصيبني بالكآبة وحين أحسّ أن هذه العاطفة تبرز لي من الصفحات أتوقف عن القراءة. ولا أتردد أيضاً في الخروج من دار السينما حين يكون الفيلم رديئاً. فالحياة قصيرة ويجب أن نحترم كل لحظة فيها.
◄ آخر كتاب أضحكك؟
يجعلني أوسكار وايلد أبتسم دائماً، باحترام وإعجاب. تثبت قصصه القصيرة أنه من الممكن أن تكون متهكماً، وحتى ساخراً ، ولكن متعاطفًا للغاية. مجرد رؤية غلاف أحد كتب وايلد في المكتبة يجعلني أبتسم. يتمتع جوليان بارنز ببعض روح الدعابة السوداء والإنسانية. لقد أحببت رواية “الإحساس بالنهاية” لبارنز كثيراً.
◄ آخر كتاب أثار غضبك؟
يدور كتاب “شبح الملك ليوبولد” للكاتب آدم هوتشيلد حول الفظائع التي ارتكبها جيش وشعب الملك ليوبولد الثاني ملك بلجيكا، بين عامي 1885 و1908، بحجة “محاربة العبودية” ولكن في الواقع ببساطة لكسب المال في الكونغو. قتل رجال ليوبولد تقريباً 10 ملايين شخص في أفريقيا. ونحن نعلم جميعاً تمام العلم أن خطاب “الحضارة والتحديث” يشكل ذريعة جيدة للقتل، ولكن هذا الكتاب العظيم كان يثير غضب أي شخص، وخاصة شخص مثلي يؤمن جداً بفكرة أوروبا.
◄ لقد اتُهمتَ بـ “إهانة الهوية التركية” لاعترافك بالقتل الجماعي للأكراد والأرمن من قبل الاتراك، وكنت صريحاً بشأن محاولة تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. في هذه الحالات، هل كنت تتصرف كمواطن ملتزم أم تعتقد أن الكتّاب يتحملون مسؤولية الناشط الاجتماعي؟
كنتُ أتصرف كمواطن ملتزم على الأكثر. لا أحمل معتقدات سياسية منهجية، ولست كاتبا سياسياً واعياً بذاته. ومع ذلك فإن كتبي سياسية لأن شخصياتي تعيش في أوقات عصيبة من الاضطرابات السياسية والتحول الثقافي. أحب أن أظهر لقرائي أن شخصياتي تقوم باختيارات طوال الوقت، وهذا أمر سياسي بطريقة أدبية في رواياتي.
لا تحفزني الأفكار السياسية أبداً. أنا مهتم بالمواقف الإنسانية والقصص الساخرة. المشاكل السياسية التي أواجهها في تركيا ليست بسبب رواياتي، بل بسبب المقابلات الدولية التي أجريها. كل ما أقوله خارج تركيا هو ملتوٍ، وجرى تحريفه قليلاً في الوطن ليجعلني أبدو أكثر من سياسي أحمق.
ذات مرة اشتكيت للروائي بول أوستر - الكاتب الذي أقدّره، والذي التقيت به في أوسلو حيث كان يجري أيضاً مقابلات، مثلي، للترويج لأحد كتبه - قائلاً إنهم يطرحون علي أسئلة سياسية طوال الوقت. قد يكون من الأسهل أن تكون كاتباً أمريكياً. وقال إنهم يسألونه أيضاً عن حرب الخليج طوال الوقت. وكان يقصد حرب الخليج الأولى! في السنوات العشرين التي مرت بينهما، ربما تعلمتُ أن المسائل السياسية هي نوع من المصير للكتاب الأدبيين، خاصة إذا كنتَ قادماً من العالم غير الغربي.
وأفضل طريقة لتجنبها هي أن تكون مثل الدبلوماسي وأن تجيب فقط عن الأسئلة الأدبية. لكن شخصيتي ليست شخصية الدبلوماسي الناجح. أفقد أعصابي وأجيب عن بعض الأسئلة السياسية، وينتهي بي الأمر إما إلى المحكمة أو أواجه حملة من الصحف اليمينية في تركيا. إن الروايات سياسية ليس لأن الكتّاب يحملون بطاقات حزبية - بعضهم يحملها، وأنا لا أحملها - ولكن لأن الخيال الثر يدور حول التعرف على الأشخاص الذين ليسوا مثلنا بالضرورة ومحاولة فهمهم. كل الروايات الجيدة سياسية بطبيعتها، لأن التماهي مع الآخر هو أمر سياسي. في قلب “فن الرواية” تكمن في قدرة الإنسان على رؤية العالم من خلال عيون الآخرين. الشفقة هي أعظم قوة للروائي.
◄ لقد عشتَ بشكل متقطع في أميركا. من هم الكتاب الأميركيون الذين يعجبونك بشكل خاص؟ من منهم أثر في عملك؟
كتبَ الروائي الأميركي الراحل جون أبدايك ذات مرة أن جميع كتاب العالم الثالث متأثرون بفوكنر. انا واحد منهم. لقد أظهر لنا فوكنر أن موضوعنا قد يكون إقليمياً، بعيداً عن مراكز الغرب ومضطرباً سياسياً، ومع ذلك يمكن للمرء أن يكتب عنه بطريقة شخصية ومبتكرة للغاية ويمكن قراءته في جميع أنحاء العالم.
لقد قرأتُ تقريباً كل أعمال فوكنر وهيمنجواي وفيتزجيرالد. قرأتُ أيضاً جميع مراجعات أبدايك الأدبية التي كتبها لصحيفة نيويوركر. لقد تعلمتُ الكثير من أبدايك واستفدت من مراجعاته لكتبي أيضاً. منذ أن ذهبت إلى مدرسة ثانوية علمانية أمريكية في إسطنبول، كلية روبرت، قرأت “توم سوير” [لمارك توين] كقراءة مطلوبة، بالإضافة إلى روايتي “سلام منفصل” [لجون نولز] و”قتل طائر مقلّد” [لهاربر لي]، مستمتعاً بروح الديمقراطية والمساواة في هذه الكتب. لم يكن سالينجر يُدرَّس في ذلك الوقت، لذلك قرأتُ “الحارس في حقل الشوفان” ككتاب مُخرّب في سنوات الدراسة الثانوية. أنا معجب بروايات توماس بينشون، وذكاء نيكلسون بيكر. كما أقدّر ديف إيغرز.
لكن عندما يسألني أحدٌ عن الأدب الأمريكي، أفكر على الفور في هوثورن وملفيل وبو. بالنسبة لي، هؤلاء الكتاب الثلاثة يمثلون الروح الأمريكية أكثر من أي كاتب آخر. ربما لأنه من السهل بالنسبة لي أن أتماثل مع قلقهم من النزعة الإقليمية والخيال الجامح، وقلة عدد القراء في زمنهم، وطاقتهم وتفاؤلهم، ونجاحاتهم وإخفاقاتهم المذهلة. في مخيلتي، أربط بو وملفيل وهوثورن ببعض الغموض، تماماً كما أربط، على سبيل المثال، الرسامين الرومانسيين الألمان ومناظرهم الطبيعية بشيء لا يمكن معرفته.
◄ كيف أثرت ممارستك للرسم في طريقة كتابتك وقراءتك؟
كما كتبت في كتاب سيرتي الذاتية “إسطنبول”، و“براءة الأشياء”، نشأتُ لأصبح رساماً. لكن حين كنتُ في الثالثة والعشرين من عمري، انفك برغيٌّ غامض في رأسي وتحوّلتُ إلى كتابة الروايات.
مازلت أستمتع بالرسم. أنا شخص أكثر سعادة عندما أرسم، لكني أشعر أنني منخرط بشكل أعمق في العالم عندما أكتب. نعم، الرسم والأدب هما “فنون شقيقة” وقد قمتُ بتدريس فصل دراسي حول هذا الموضوع في جامعة كولومبيا. أحببتُ أن أطلب من طلابي أن يغمضوا أعينهم ويفكروا ويفتحوا أعينهم ويحاولوا توضيح ما إذا كانوا فكروا بكلمة أم صورة. الإجابة الصحيحة: كلاهما! تعالج الروايات مخيلتنا اللفظية (دوستويفسكي) والبصرية (بروست، نابوكوف). هناك الكثير من المشاهد التي لا تُنسى في روايات دوستويفسكي، لكننا نادراً ما نتذكر الخلفية أو المناظر الطبيعية أو الأشياء الموجودة في المشاهد.
وهناك أيضاً أنواع أخرى من الروائيين الذين يؤلفون مشاهد لا تُنسى من خلال تشكيل صور ومشاهد في أذهاننا. قبل “الكلمة المثالية” التي قالها فلوبير، يجب أن تكون هناك صورة مثالية في مخيلة الكاتب. وينبغي للقارئ الجيد أن يغلق الرواية بيده بين الحين والآخر وينظر إلى السقف ويوضح في مخيلته الصورة الأولية للكاتب التي أثارت الجملة أو الفقرة. يجب علينا نحن الكتّاب أن نكتب لهذا النوع من القراء الخياليين. على مر السنين، علّم الرسام في داخلي خمسة أشياء أساسية للكاتب في داخلي:
1 - لا تبدأ بالكتابة قبل أن يكون لديك إحساس قوي بالنص بأكمله، إلا إذا كنت تكتب نصاً غنائياً أو قصيدة.
2 - لا تبحث عن الكمال والتناسق، فهذا سيقتل الحياة في العمل.
3 - التزم بقواعد وجهة النظر والتبئير وانظر إلى العالم من خلال عيون شخصياتك، لكن يجوز كسر هذه القاعدة بالابتكار.
4 - مثل فان جوخ أو الرسامين التعبيريين الجدد، أظهر ضربات الفرشاة! سوف يستمتع القارئ بملاحظة عملية صنع الرواية إذا تم جعلها جزءاً صغيراً من الرواية.
5 - حاول التعرف على الجمال الطارئ الذي لم يتصوره العقل ولا قصدته اليد. أصبح الكاتب بداخلي والرسام بداخلي أكثر ودية كل يوم. ولهذا السبب أخطط الآن لروايات تحتوي على صور وكتب مصورة تحتوي على نصوص وقصص.
عن صحيفة “نيويورك تايمز”
أخبار اليوم
كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني تشيد بالتحول الإيجابي الذي تشهده شبكة الإعلام
2024/11/25 الثانية والثالثة