في معنى (الرَّحْمن).. تأثيل سومريّ لصيغة (فَعْلَان) العربيَّة

ثقافة 2024/05/15
...

شاكر الغزي

قالوا: الفِعْل، بالكسر، في اللغة هو الحدث.
وعندي أنَّ هذا ليس بدقيق؛ إذ هو إحداث الحدث، وليس الحدث نفسه، أمَّا الحدث فهو (الفَعْلُ)، بفتح الفاء، والذي يُعرف بالمصدر أو اسم المصدر.
وصيغةُ (فَعْلَان)، في الأصل، هي (فَعْلُ آن)، أي الحدث الذي يُحدثه آن، و(آن) هو إله السماء الحقيقيّ (فاعل الحدَث) في اللغة السومرية القديمة؛ والتي أعتقد أنَّها أصل اللغة العربية، بل ورُبّما أصل كلّ اللغات العالمية. وفُتحت اللام؛ لأنَّ العربية تُحرِّك ما قبل الألف بحركة مجانسة لها، وهي الفتحة؛ فتحوَّلت من (فَعْلُ آن) إلى (فَعْلَان) المُدمجة.
ولأعترفْ هنا أنَّ البحث عن الدلالة الصرفية لصيغة (فَعْلان) أتعبني جداً، فقد أهدرت ليالي طوالاً في القراءة والتنقيب دون الخروج بطائل! ولا يفوتني أن أسجّل ملاحظتي حول ضعف الدراسات العربية في ما يتعلّق بدلالة الصيغ الصرفية خصوصاً، وعموم الدراسات الصرفية.
كان البحث عن معنى اسم (الرحمن)، الذي يتكرّر كثيراً في البسملة، ويرد مستقلاً في الآية الأولى من سورة الرحمن، هو ما دفعني إلى البحث عن دلالة صيغة (فعلان).
لم أكن مقتنعاً بما قالوه من أنَّ الرحمن أكثر مبالغةً من الرحيم؛ لأنَّ النحو المدرسيّ الذي تعلمناه يقول إنَّ فعلان صفة مشبهة، وفعيل صيغة مبالغة. كذلك، لم أكن مقتنعاً بإعرابهم لـ(الرحمن) في البسملة على أنّه صفة أولى لله، بل كنت أرى أنَّ الرحمن بدل من اسم، بمعنى أنَّ الرحمن هو اسم الله المقصود في البسملة.
وأهمُّ ما وقفت عليه في هذا الصدد، هو بحث قيّم للدكتور سيّد محمود القمني بعنوان (إله السماء ودرس في أركيولوجيا اللغة) نشرته مجلة آفاق عربية في آذار 1989، جاء فيه أنَّ صيغة (فعلان) دخلت كلّ اللغات السامية، ومنها العربية، لتدلّ على الفعل المستمر الحضور في جميع الأزمنة، فهو فعل بدأ في الماضي، لكنه مستمرّ الحضور والعمل، وهي تتكوّن من (فعل + آن)، وآن هو إله السماء السومريّ الذي أبدع الوجود، وهو لم يفعل مرّة واحدة وانتهى الأمر، بل يفعل باستمرار؛ لذلك فصيغة فعلان العربية تدلّ على الحضور والاستمرارية.
وبالتطبيق؛ فصيغة (الرَّحْمَن) هي: (الرَّحْمُ) (آن). والرَّحِمُ، والرَّحْمُ، والرِّحْمُ: موضعُ تكوين الجنين ووعاؤُه في البطن. وليس ثمَّةَ أحوج من جنينٍ إلى الرعاية والعناية. والرَّحْمُ، بصورة عامة، هو الجوف الذي يتكوَّن فيه ما يحتاج لرعاية وعناية. وليس هذا الكون الشاسع، بكلِّ ما فيه من أجرام وحيوات، سوى جنينٍ صغير من صنائع (آن) التي كوَّنها ورعاها، بل هو مستمرٌّ في رعايتها والعناية بها بشكلّ يوميّ: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ الرحمن: 39.
وبذلك؛ فالرَّحْم، أيضاً، تعبير عن الإحاطة والسعة. وقد أكَّد القرآن أنَّ الله الحقيقيّ، هو المحيط بكلّ شيء: ﴿وكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا﴾ النساء: 126، وهذه الإحاطة منحته صفة الشهودية والحضور؛ فصار شاهداً على كلّ شيء: على آفاق الكون الشاسعة، وعلى أعماق الأنفس الدقيقة ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاء رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ﴾ فصّلت: 35، 54. وهذه الإحاطة ليست إحاطة تضييق، بل هي سَعَةُ الشمول والتمكُّن: ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ البقرة: 255؛ إذ لا يمكن أن يُحيط شيءٌ ما بمَن هو محيط بكلّ شيء!.
وهي نتاج أَمرين: القدرة والعلم. أو على نحو أدقَّ، فالإحاطة والسعة نتاج القدرة المطلقة، وبالإحاطة صار شاهداً (حاضراً) مطّلعاً قريباً، وبالشهود صار عالماً بكلِّ شيء: ﴿لِتَعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ الطلاق: 12.
ومن هذا الفهم، نشأ مصطلح (الرَّحْمة)؛ فهي صفةٌ من (الرَّحْم) بإضافة تاء التأنيث المربوطة في آخرة، وهي ليست سوى القدرة والإحاطة والشمول والتمكّن والعلم بحال الشيء وما يحتاج إليه تكوينه أو تكوّنه من عناية ورعاية. فهي، إذن، عطف ولطف مسبق من الله القادر المحيط العالم: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا﴾ غافر: 7. وليست سعةُ الرحمة والعلم إلّا مظهراً للقدرة المحيطة.
وممّا وقفت عليه، أيضاً، كلام للدكتور محمد شحرور في كتابه (الكتاب والقرآن)، لمّح فيه إلى أنَّ (الرَّحْمن) قد يكون مشتقاً من الرحم؛ لأنَّ وظيفة الرحم هي التوليد، وجاء على وزن فعلان ليدلّ على ثنائية الضدّين. وأوضح أنَّ اسم الله (الرَّحْمن) يمثّل قوانين الربوبية والسيطرة والتوليد والتطوّر في هذا الكون الماديّ الثنائيّ. وحيثما وردت لفظة الرحمن في القرآن فهي ترد بهذا المفهوم، وليست من الرحمة أبداً. وفي لقاء متلفز، ذكر أنَّ الرحمن قد يكون رحيماً، وقد يكون شديد العذاب!.
ومعنى ذلك أنَّ صيغة فعلان العربية تدلّ على الخلوّ أو الامتلاء مثل: عطشان وجوعان كمثالين للخلوّ، وغضبان ورحمان كمثالين للممتلئ غضباً أو رحمةً، ويرى د.شحرور أنَّ هذه الصيغة تتضمّن الثنائية الضدّية بمعنى أنَّ الامتلاء قد يتحوّل إلى خلوّ والعكس، فالشبعان قد يخلو من امتلاء شبعه؛ فيصير جوعان، خلافاً لصيغة فعيل ــ مثل رحيم ــ التي تدلّ على الثبوت واللزوم.
شخصياً، أختلف مع الدكتور شحرور في ثلاثة أمور:
- أنّ الرحمن ليس اسماً من أسماء الله الحسنى بل هو اسم الله الحقيقيّ!.
- أنّه ليس مشتقاً من الرحمة، بل من الرحم؛ لأنَّ د.شحرور صرّح أنَّ لفظة الرحمن في اللسان العربيّ من (رحم) وهو أصلٌ يدلّ على الرقّة والعطف والرأفة.
- أنّ صيغة فعلان لا يُشترط فيها ضرورة التحوّل من الخلوّ إلى الامتلاء أو العكس، بل أنّها تدلّ على إمكانية ذلك في الأغلب، ولكن ليس ثمّة ما يمنع أن تدلّ على الثبوت والملازمة.
والغريب، الذي ما زلت أستغرب منه حتّى الآن، أنَّ هناك من يقول إنَّ صيغة فعلان تدلّ على المبالغة، ومنهم من يقول إنّها أكثر مبالغةً من صيغة فعيل، وكلاهما ليس بصحيح؛ فلو كانت (الرحمن) أكثرَ مبالغةً لما ساغ تقديمها على (الرحيم) بلاغياً، ويكون ذكر (الرحيم) الأقلِّ رحمةً ضرباً من العبث والعيّ الاعتباطيّ! تعالى كلام الله عنه.
والأهمّ أنَّ صيغة فعلان صفة مشبّهة، بينما صيغة فعيل صيغة مبالغة، وثمّة فرقان جوهريان بين الصفة المشبّهة وصيغة المبالغة، وهما بحسب رأي جمهور النحاة:
- أنّ الصفة المشبهة تؤخَذ من الفعل اللازم حصراً، أما صيغة المبالغة فتؤخَذ من الفعل المتعدّي غالباً؛ وهذا يعني أنَّ صيغة (الرحمن) مشتّقة من فعلٍ لازم في حين أنَّ صيغة (الرحيم) مشتقّة من الفعل رَحِمَ المتعدّي.
- أنّ صيغة المبالغة تدلّ على كثرة وقوع الفعل من الفاعل، وهذا هو معنى المبالغة، أمّا الصفة المشبّهة فتدلّ على اتّصاف الفاعل بصفة ثابتة فيه أو شبه ثابتة؛ وبالتالي فهي شبيهة لاسم الفاعل في المعنى.
وفي رأيي الشخصيّ، فمن الأخطاء الراسخة القول بأنَّ الرحمن من أسماء الله الحسنى، بل هو اسمُ اللهِ الحقيقيِّ! إذ إنَّ الإله الحقيقيّ، الذي هو الله، هو مَن له الأسماء الحسنى، وهي الصفات الإلهية الضرورية لكينونته الذاتية المتفرّدة، ومن أمثلتها صفات: القادر، المحيط، الواسع، الشهيد، القريب، العالم، الرحيم، ...، وهذه الصفات إذا ما ثبتت لإله، فهو الإله الحقيقيّ الذي نُسمّيه: الله، نظرياً. أمَّا واقعياً، فقد أُدّعي لبعض الآلهة أنَّهم هم الله، الإله الحقيقيّ، ولكنّ الذي أبطل هذه الادّعاءات وفضحها هو عدم امتلاكهم لهذه الصفات التي تُسمّى: الأسماء الحسنى.
ثمَّة إله واحد، أرسل رُسَلاً من قِبله ليُخبرَ أنّه هو فقط من يمتلك الأسماء الحسنى (صفات الله الحقيقيّ)، وهذا الإله اسمه: الرحمن؛ ولذلك يقول القرآن: ﴿قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى﴾ الإسراء: 110؛ فالرحمن ليس من الأسماء الحسنى، بل هو مَن له الأسماء الحسنى واقعاً وحقيقة، والتي يُفترض نظرياً أن تكون لله.
ويُلاحظ أنّه ليس في الأسماء الحسنى ما صيغته فعلان، بل جاءت على صيغ: فاعل، فعول، فعيل، فعَل. وقد يُتوهَّم أنَّ (المنّان) على صيغة فعلان، ولكن الصحيح أنّه على صيغة فَعَّال. وعند عموم المسلمين، أنّه لا تجوز التسمية باسمي (الله) و(الرحمن) فقط؛ باعتبارهما اسمين مختصين بالربّ عزّ وجل!
إذن، فمعبودنا هو (الرحمن)، وإنما نكتفي بتعبير (الله) عنه اختصاراً باعتبار أنّه هو الله الحقيقيّ فقط؛ إذ تنطبق عليه أسماء وصفات الإله الحقّ، يقول القرآن: ﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ﴾ الأعراف: 180؛ بمعنى أنَّ الله الحقيقيّ هو من له الأسماء (أسماء الصفات) الحسنى على نحو الحقيقة لا الادّعاء، وأمّا ما عداه، فـ(اللهُ) مزيَّف! ليس له من صفات الإله الحقيقيّ الفاعل (الخالق، القادر، الضارّ، النافع، ...) إلّا الاسم المدّعى؛ ولهذا فحين أراد القرآن فضح الآلهة المزيّفة، قال: ﴿اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ. مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم﴾ يوسف: 39، 40، وفي مقام الاحتجاج، قال: ﴿هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ. أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ﴾ الشعراء: 72، 73، بل لا يفعلون أيِّاً من ذلك؛ لأنّهم ليس لهم من هذه الصفات إلّا أسماء سمّيتموها.
ويدلّ على ما ذهبنا إليه، كثيرٌ ممّا ورد في السيرة النبوية، منها اعتراض سُهيل بن عمرو في صلح الحديبية، حين كتب النبيّ: بسم الله الرحمن الرحيم؛ فقال: أمّا الرحمن فوالله ما أدري ما هو. فلو كان اسماً من الرحمة ــ كما هي الحال مع الرحيم ــ لعرفه وما اعترض عليه، ثمّ فيه دلالة على أنّه أدرك أنَّ الرحمن هو اسم الله، لا صفته؛ ولذلك قال إنه لا يعرفه، ولو عرفه لآمن به، هو فقط يعرف أسماء الله المعبود في مكّة كاللات والعزّى وهبل.
كما يلاحظ أنَّ الرحمن دائماً ما يقترن بالعرش؛ فيكثر تعبير (عرش الرَّحمن) في حديث النبيّ، كقوله: إذا سألتم الله فسلوه الفردوس فإنّه أعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن. وفي القرآن، فالرحمن هو الإله الذي له سلطة الاستواء على العرش: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ طه: 5، وهنا لا بأس من التأكيد على أنَّ عدّة آيات ذكرت استواء الله على العرش كقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ الأعراف: 54، وهذا يعني أنَّ الرحمن فقط هو الله الحقيقيّ، وهو ﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرحْمَن﴾ النبأ: 37، وهو ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ﴾ الملك: 3. وقد وردت كلمة الرحمن (56) مرّة في القرآن الكريم.

وعليه، لا بدّ من تصحيح المُسلّمات التالية:
1 -  الله ليس اسم علم للإله المعبود الحقيقيّ، بل هو اسم جنس لمفهوم عام وإن كان ينطبق على مصداق واحد انطباقاً حقيقياً؛ ولذلك قال بعضهم إنَّ الله اسم يدلّ دلالة العلم على الإله الحقّ. والذي قالوا إنه اسم علَم، أكّدوا أنّه مفرد لا جمع له!.
وأصله الإله، ثمّ حذفت الهمزة للتخفيف والتسهيل؛ فصار (الـ ــ لاه). ومثلما في العربية أسلوب التخفيف، ففيها أسلوب التفخيم؛ ولذلك فُخّمت اللّامان إجلالاً وإكباراً وتبجيلاً للمُسمَّى؛ فقيل: لفظ الجلالة.
وهذه التسمية متأتِّية من الأصل الأكاديّ (إلُّ) الذي تطوَّر في الآرامية والكنعانية إلى (إٍيل)، ثمّ تطوّر لاحقاً إلى إله. وهو، بما هو اسم، لا يدلّ على إله واحد أو معيَّن. بل يمكن أن يكون متعدِّداً، وقد ينطبق على أكثر من إله يُدَّعى، منها ما هو حقيقيّ، ومنها ما هو مزيَّف. الله الحقيقيّ هو الذي له الأسماء الحسنى، وهي صفات الإله الحقّ.
وبهذا الفهم، فالله قد يكون هُبلاً أو لاتاً أو عُزَّى! باعتبارها آلهة مُدِّعاة، وقد يكون هو الإله الذي ندّعي له الوحدانية وأنّه مستحقّ العبادة الحقيقيّ.
2 - الرحمن هو اسم الله، الإله الحقيقيّ الذي نعبده، وهي التسمية الإسلامية، مثلما أنَّ (القدير) تكاد تكون هي التسمية المسيحية لله. وقد استعمل اليهود تسمية (يهوه) للإشارة إلى الله القومي للإسرائيليين، ويهوه في العبرية تعني (يا هُوَ) ويستعملونها بدلاً من الاسم الحقيقي الذي ــ بالنسبة لمعتقداتهم ــ لا يعلم به أحد. وفي المندائية، يُسمّى الإله الواحد (هيي قدمايي) أي الحيّ الأزليّ. وفي الزرادشتية يُسمّى الله باسم (أهورامزدا) أي إله النور، والذي يخالفه دائماً هو (أهريمان) أي ممثّل الظلام والشرّ، والمقصود هو الشيطان الذي هو الضدّ المخالف للرحمن.
ويدلُّ قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾ الرعد: 30، أنَّ الرحمن هي تسمية الله التي أشاعها الأنبياء في أممهم السابقة، وبالتالي فقد تكون هذه التعابير تلفّظات صوتية لكلمة الرحمن. ومن ذلك قول مريم: ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ﴾ مريم: 18، وقول إبراهيم: ﴿يا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾ مريم: 45.
3 - اسم الرحمن مشتقّ أصلاً من الرَّحْم، بمعنى الإحاطة والسعة، وليس من الرحمة؛ إذ لو كان من الرحمة لما ساغ أن يضرّ ﴿إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ﴾ يس: 23، أو أن يُعذِّب: ﴿أَخَافُ أن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن﴾ مريم: 45.
4 - الرَّحِم، الذي هو وعاء الجنين، مشتقّ من اسم الرحمن. سمّي بذلك لأنّه نموذج مصغّر لإحاطة الله وقدرته، ولكونه سبباً في تكوين الصِّلات والعلاقات؛ ومن هنا نشأ مفهوم (صلة الرحم)، كما ورد في الحديث القدسيّ: ﴿أنا الرحمن، وأنا خلقتُ الرَّحِم، وشققْتُ لها من اسمي اسماً، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها بَتَتُّه﴾.