المصريون وسعدون جابر

ثقافة 2024/05/15
...

سامر المشعل

راهن الملحن كوكب حمزة على صوت سعدون جابر، منذ أن سمعه أول مرة، عندما كان منشداً في كورس الاذاعة، فمنحه أغنية " فيش بروج الحنية " التي كانت بالاساس لصوت المطرب ستار جبار، لكن المشكلة التي واجهت سعدون جابر في أول خطوة بمشواره الفني، انه اصطدم بلجنة فحص الأصوات، التي رفضته ولم تجزه مطرباً، لكن كوكب لم يتخلَ عن صاحبه، إنما أعطاه أغنية "الطيور الطايرة"، وسجل الاغنية على "كاسيت"، ثم ذهب إلى مدير الاذاعة والتلفزيون انذاك محمد الصحاف، فسمع الاغنية، وقال له كوكب: ما رأيك بهذا الصوت؟
فأبدى اعجابه بالصوت والأغنية. فأخبره كوكب بأن هذا الصوت مرفوض من قبل اللجنة. فأمر المدير العام بحل اللجنة وتسجيل وتصوير الاغنية على الفور. فظهرت في فضاء النغم العراقي في العام 1973 بتلفزيون العراق، ولاقت نجاحا منقطع النظير.
تتوافر في أغنية "الطيور الطايرة" كل مقومات الابداع من الكلام، الذي وظف فيه الشاعر الكبير زهير الدجيلي، الطير كرمز للحرية والسلام في ارسال الشوق والحنين إلى ربوع الوطن بنص باذخ الجمال، وهو يتحسس المشاعر الانسانية عندما تحاصر الإنسان الغربة بمشاعر الشوق والحنين، واستطاع المبدع كوكب حمزة أن يصوغ هذا النص في لحن تلمس فيه العراقيون المعنى الحقيقي للغربة.
بنى كوكب اللحن على مقام " الرست" الذي يرتكز على مقام "السوزناك" يبدأ بجنس الاصل رست، ثم يأخذ جنس الفرع حجاز، لتمتزج وتتعانق مشاعر الامل برؤية الاحبة وبين الحزن بمهابة، ثم ينتقل إلى مقام البيات في مقطع " الكلب جا وين اضمه" بعدها يقف على مقام الهزام.. وما بين الانتقالات النغمية والايقاعية التي يستهلها بايقاع الايوبي، اضافة إلى توظيف الكورس بطريقة مدهشة والمقدمة الموسيقية التي تمهد للاغنية والتي تعد وحدها تحفة
موسيقية.
هذه الأغنية لم تكشف عن موهبة كوكب حمزة بالتلحين وتضعه في مقدمة ملحني السبعينيات وحسب، وإنما أضافت إلى سجل مطربي السبعينيات القلائل اسما جديدا هو سعدون جابر، وفتحت لهذا الشاب المحظوظ آفاق الشهرة العراقية والعربية، فقد اختيرت أفضل أغنية بمهرجان الأغنية العربية الذي أقيم في أبو ظبي، وفازت كأفضل أغنية عربية من بين مئة أغنية في استفتاء أجرته إذاعة bbc .
هذه الأغنية وما حققته من شهرة لم تخلُ من بعض المطبات، بسبب الفهم المختلف لبعض المفردات العراقية، فعندما شارك سعدون جابر في الاسبوع الثقافي العراقي المصري الذي اقيم بالقاهرة منتصف الثمانينات، جاء رئيس الوفد المصري إلى سعدون جابر واخبره، ان أغنية "الطيور الطايرة" عرضت يوم أمس بالتلفزيون المصري، وكان هناك 90 مليون مصري يشتموك، سأله جابر باستغراب لماذا؟
قال له لأنك استخدمت مفردة " آحاه " وهذه كلمة معيبة، ولا يليق بمطرب محترم أن يقولها في الاغنية، واذا تود أن تقدم هذه الاغنية بالمهرجان، فيجب استبدال هذه المفردة، ما اضطره أن يغيرها إلى كلمة " الله يا ديرة هلي.. الله ياريحة هلي.. الله ياجنة هلي" لتمضي الحفلة بسلام في مصر، لكنها منعت في السعودية بسبب وجود
لفظ الجلالة.