رحلة عبر الذاكرة وآلام الماضي

آراء 2024/05/19
...

سيف ضياء

تشق المقابر الجماعية في العراق جروحًا عميقة في جسد الوطن، وتخلد شواهد حزينة على فصول من أبشع جرائم العنف والقتل التي عرفتها البشرية، إذ تُخفي هذه المواقع تحت ثراها قصصًا مأساوية لآلاف الضحايا الذين قضوا نحبهم في حملات إبادة جماعية ممنهجة على يد نظام استبدادي دموي، فمع سقوط نظام البعث الدكتاتوري عام 2003، بدأت تتكشف فظاعة الممارسات الوحشية التي اتبعها النظام بحق المعارضين للسياسات الهمجية والمجموعات المستهدفة، إذ فتحت تباعًا مقابر جماعية في مختلف أنحاء العراق، لتظهر للعالم حجم المأساة الإنسانية التي لحقت بهذا البلد ؛ تشير التقديرات إلى أن مئات الآلاف من الضحايا، قد دفنوا في هذه المقابر، أغلبهم من الأكراد والشيعة والأقليات الأخرى الذين تعرضوا للاضطهاد والقتل الجماعي جراء معارضتهم للسياسات الخاطئه التي كان يتبعها، وتعود جرائم المقابر الجماعية إلى فترات زمنية مختلفة، بدءًا من رحلة الأنفال ضد الأكراد في الثمانينيات، مرورًا بحملة حلبجة الكيميائية عام 1988، وصولاً إلى انتفاضة عام 1991 التي قمعها النظام بوحشية، اما اليوم يواجه العراق تحدياتٍ جمة في التعامل مع ملف المقابر الجماعية، بدءًا من عملية نبشها واستخراج الرفات، مرورًا بتحديد هويات الضحايا، وصولاً إلى تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، حيث تُشكل عملية نبش المقابر الجماعية مهمةً شاقةً ومعقدةً، تتطلب مهاراتٍ علمية متقدمة ودقةً عالية في التعامل مع الرفات البشرية كما أن عملية تحديد هويات الضحايا تُعدّ تحديًا كبيرًا، خاصةً مع مرور عقود على وقوع هذه الجرائم وتلفّ الرفات.
يُضاف إلى ذلك، أنّ تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، يتطلب إطارًا قانونيًا ومؤسساتٍ قويةً تضمن سير العدالة بشكلٍ نزيهٍ ومستقل.
خطوات نحو التعافي:
وعلى الرغم من التحديات، تُبذل جهودٌ كبيرةٌ على الصعيدين الرسمي والمجتمعي في العراق للتعامل مع ملف المقابر الجماعية. فقد تمّ إنشاء “المركز الوطني للطب العدلي” و”المركز الوطني للمقابر الجماعية” بهدف التعامل مع هذه الملفات. كما تعمل منظمات المجتمع المدني على توثيق جرائم الماضي ودعم أسر الضحايا في رحلة البحث عن الحقيقة والعدالة.
خاتمة:
تُمثل المقابر الجماعية في العراق تراثًا ثقيلًا من جرائم الماضي، وتُعدّ بمثابة اختبارٍ حقيقيٍ لقدرة العراق على التعافي والمضي قدمًا نحو مستقبلٍ يسوده السلام والعدالة. إنّ الكشف عن الحقيقة وتحقيق العدالة للضحايا مسؤوليةٌ أخلاقيةٌ وإنسانيةٌ تقع على عاتق الجميع، لضمان عدم تكرار مثل هذه الفظائع في
المستقبل