عبد الغفار العطوي
الأحلام نراها كلما خلدنا للنوم، وهي من الكثرة لدرجة لم تعد تعني لنا شيئاً إلا ساعة العسرة، حينما نتضايق من توليفاتها المتشابكة، وتضغط المشكلات على ذواتنا تبرز الحاجة إليها، فطبيعة الأحلام هي التي تقودنا نحو اللجوء لمعاينتها، لكن المشكلة في هذه الأحلام، إنها كثيرة، غير مفهومة ومختلطة، ولما أراد بعض المختصين من علماء النفس فهمها اصطدموا، بأنها تبدو مشوشة.
أريك فروم (1900 - 1980) واحد من علماء النفس وفيلسوف امريكي تناول ظاهرة الأحلام، ووقع تحت تأثير فرويد نوعاً ما، في الاعتماد على أن ظاهرة تحدث للإنسان في كل حين، ولا تخضع لمنهج علمي محدد، واستبعد وضعها في تصنيف "علم الأحلام" ولم يمل إلى التسمية الشهيرة التي اطلقها فرويد عليها بـ "تفسير الأحلام" لكنه ذهب نحو ما روج له فرويد بأن الأحلام لها علاقة باللاوعي لدى الإنسان، وكان يعتبرها لغة سرعان ما تتبخر، وتنسى ولا يتبقى منها سوى جملة مبهمة من أطياف شاحبة.
كتب جان بيلمان – نويل في "التحليل النفسي والأدب" في قراءة في اللاوعي الحلم هو "الطريق الملكي" الذي يقود إلى اللاوعي، وهذا صحيح من الناحية التاريخية، أو هو كذلك تقريباً، لهذا نحن نقرأ في كتابه "اللغة المنسية – مدخل إلى فهم الأحلام والحكايات والأساطير" إلى إنها مادامت بهذا الغموض والابهام، فهي تماثل الحكايات الخرافية والاساطير، من ناحية أن غرابتها ولا معقوليتها تضعها سواسية في قائمة حواف اللاوعي الفرويدي "لا يميل أريك فروم، ولا يريد التورط في نظريات فرويد في تفسير الأحلام" لكن بالتعويل على طبيعة الأحلام الرمزية، من كونها عبارة عن لغة لتعابير صورية صامتة أو ناطقة، يجعله يأمل في إيجاد تفسير مناسب لحركتها على خلفية خدعة اللغة عند الإنسان الواعي، إذاً علينا دراسة مفهوم "الوعي دليل موجز للغز الجوهري للعقل- اناكا هاريس" وان أحببنا التعمق أكثر في فهم طرائق التفكير في الوعي وأنواعه، كي نصل لمنطقة دون الوعي نتساءل أو يتخيل لنا أن الأحلام قد تتحقق! بيد أن العودة إلى فرويد ينتج عندنا يقين بأن الأحلام لا يمكنها أن تتحقق، فقد توصل فرويد مبكراً إلى أن الأحلام على ما تبدو هي تمثل انجازاً متنكراً لرغبة منسية، أو هي محاولة انجاز محدودة.
ولعل الوقوف عند التساؤل المهم لفرويد عن الأسباب التي تجعل الأمنيات التي تشكل سرية التفكير تتحول بعد النوم لتؤلف كما يقول بيلمان نقلا عن فرويد نحو قصة بلا رأس ولا مؤخرة، بل إلى سلسلة من الصور والأفعال والأقوال نعرفها جميعاً "محتوى ظاهر ص 46".
وهو ما يؤيده أريك فروم، ويتصف الحلم أيضاً بأنه يبعث في الذهن أحداثاً وأشخاصاً لم يسبق لها أن خطرت للحالم ببال منذ سنوات طويلة، جان ماتيرن "في مزايا الفقدان بين الكتابة والتحليل النفسي- ص 37"، يذهب مع فرويد تماماً هناك طريقة للنسيان تتميز بصعوبة في استعادة التذكر، ولو بواسطة محثات خارجية قوية، فمحاولة أن تعيد الحلم إلى منصة الواقع لا تجدي نفعاً، لأنك حالما تنهض تبدأ بتذكر الأحلام بسرعة البرق، لدرجة يستحيل عليك استدراكها، ويعزو أريك فروم تمثل الحلم لدينا بهذه السرعة، ثم يتلاشى كخيط من دخان أولاً إلى طبيعة الحلم.
ففي الفصل الثالث من الكتاب يقول إن الاتفاق جار في مختلف العصور والحضارات حول طبيعة الأحلام، وهي إنها دواليل غنية بالدلالات، إنها دواليل تتضمن مرسالاً نستطيع فهمه إذا كنا نملك المفتاح الذي يساعدنا على ترجمته، مهما كان مصدر هذه الاحلام من التجربة الفعلية التي تخوضها أنفسنا بعد مفارقتها لأجسادنا إذ تغادرنا أثناء النوم – أم هي نفحة من الالهام الإلهي او عمل من أعمال الشياطين، أو نرى فيها تعبيرا عن اهوائنا اللاعقلانية ص28.
وثانياً إلى طبيعة الكلام الرمزي، فالطبيعة الرمزية للغة التي نراها فيه، لها مواصفات محددة تجعل طبيعة الحلم تأخذ شكل الحالم حينما يصحو من نومه، فلا يتذكر إلا الأخيلة التي تفسرها اللغة الشاحبة المتلكئة في الذهن، كإنما نحن لم نر أي شيء.
يقول أريك فروم في الفصل الثاني من الكتاب نفسه حول مفهوم الرمزية في الحلم، إن الرمز الاصطلاحي هو الرمز المعروف لدينا على افضل نحو، لأننا نستعمله في كلامنا اليومي ص 18 وهو يسهل علينا ما هو دور الرمزية في كلامنا، ونحن نفسر الحلم الذي عرض علينا، مثلما شاهدناه في اثناء النوم ولا نجد فيه غرابة، فالأساس في اللغة التي تبتكر المشهد الحلمي لدينا تتصف بكثرة الرموز المتسقة لتكوين معنى يمكننا التقاطه على اعتقادنا إنه حقيقة لا خداع يؤلفه الوعي عبر اللاوعي، لهذا يعتقد الحالم أن الحقيقة ما يرى، ويتوقع حدوثه، فلا ينبغي أن نعجب إن نجد ظاهرة من ظاهرات العالم الطبيعي من شأنها أن تكون تعبيراً ملائماً عن تجربة من تجاربنا الحميمة ص21، المعضلة التي نواجهها نحن جميعا هو إن ما نراه في الحلم يبدو كنبوءة تتطابق مع رغباتنا الدفينة التي نخبئ منبعها في لا وعينا، رغم إنها تتماثل في أفكارنا أمنيات، وينما تكرر بعض معالمها "نتوهم ذلك بسبب طغيان الطبيعة الرمزية" نصرح بإمكانية تحقق تلك الأحلام، ولأن التشابه قائم بين الطبيعة الرمزية للأحلام والحكايات والأساطير، نحيل تفسيرها من كونها "رؤيا ملهمة" مثل ما يقع للأنبياء والأوصياء والقديسين ومن قد وصلوا إلى مكانتهم في الدرجة الرفيعة، لكن ما يقع في أحلام هؤلاء الذين يمتلكون قابليات وملكات في تحقق الأحلام، كما في الكتب المقدسة وغيرها من المدونات، يقف العلم منها كظاهرة لا نجدها سوى في نسق محدد ضيق "شبه ميثولوجي" أما ما عداها، فإنها طبيعة الكلام الرمزي الذي يؤسس فضاء الأحلام.
ولعل تضافر جهود فرويد ويونغ في تفسير الأحلام يبدد أية شكوك في إن الأحلام لا تتحقق، انطلاقاً من نظرية فرويد أولاً التي توضح إلى أن الأحلام كلها ما هي إلا تعبير عن طبيعة الإنسان اللاعقلانية واللا أخلاقية، وثانياً الاطروحة التي قال بها يونغ بأن الأحلام هي عبارة عن إلهام يأتينا من حكمة لا واعية مفارقة و متعالية على الفرد، وثالثاً أن الاحلام تعبر عن جميع أشكال النشاط الذهني الممكنة، وهي بمعنى تعبر عن القوى العقلانية والعقل والأخلاقية، فهي تعبر عن النقيضين السيئ والجيد لدى
الحلم.