عالم البراءة يتداعى في الفيلم الأميركي {العفيفة}

ثقافة 2024/05/20
...

 دعد ديب

يبدأ فيلم الأكشن الأميركي {Immaculate} {العفيفة} إنتاج 2024 من إخراج {مايكل موهان} وسيناريو {أندرو لوبيل} بشحذ الإثارة والتشويق لدى المشاهد منذ اللحظات الأولى، عندما نرى إحدى الراهبات تحاول سرقة مفاتيح الدير في ليل يحفل بالضباب والغموض ومحاولتها الهروب من الباب الرئيسي.

ولكنّها تفاجأت بأربع كائنات تلبس السواد تمسك برجلها في آخر لحظة ويُغمى عليها لترى نفسها بعد ذلك في تابوت مدفونة بالحياة، البداية التي لم نستطع تفسيرها وفهمها إلّا بالنهاية كواحدة من الضحايا الكثر. 

"العفيفة "Immaculate" الذي نزل حديثًا على شاشات العرض في العالم أعاد إلى الذاكرة الفيلم المأخوذ عن رائعة أمبرتو ايكو "اسم الوردة" في السلطة غير المحدودة لرجالات الكنيسة في زمن ما، ولكن أحداث الفيلم الذي بين أيدينا جمعت في أعطافها غموضاً وجرائم أماط العمل اللثام عنها تدريجيَّاً.

تغادر الراهبة سيسيليا "سيدني سويني" لتؤدي فروض أذكارها الدينيَّة وهي شروط الالتزام بالدير عبارة عن العفة والطاعة وعدم الملكيَّة في دير إيطالي بناءً على طلب رئيس كهنة الدير، الأب سال تيديشي (ألفارو مورتي) وهو دير معزول مخصص لرعاية الراهبات اللواتي كبرن في السن وعلى مشارف النهاية، يدفعها إحساس أنّها منذورة لفعل إيماني ما ناجم عن تعرّضها لحادث غرق في بحيرة متجمّدة عندما كانت طفلة، مما أدى إلى وفاتها لمدة سبع دقائق، وقد تأسست قوة إيمانها بعد هذه الصدمة. كونها نجت بأعجوبة من الموت.

نرى "سيسيليا" الشخصية الرئيسية وهي تتجول في المناطق المحيطة بها لتتعلم المزيد عن الرعاية الصحية للراهبات، وهي تلاحظ أن المكان يلفه الغموض وثمة بضعة إشارات لم تفهمها وخاصة ما أفضت إليها الراهبة غوين (بينيديتا بوركارولي)، أنّه ما زال بإمكانك الهروب قبل إعلان التزامك النهائي، هذا الغموض يتكشف تدريجيَّاً عبر مساحات من الرعب عندما تلاحظ ندوباً في أسفل قدمي إحدى النزيلات المسنَّات وقد كان من الواضح الاضطراب النفسي الذي تعيشه، فضلا عن حوادث عنف تكررت مع حالة انتحار أو قتل لإحدى الراهبات التي تجرّأت بإثارة أسئلة، وكذلك حادثة "غوين" بقطع لسانها لأنّها كذلك تجرّأت على السؤال بصوتٍ عالٍ عن ماهية ما يحدث في الدير، وقد نجحت الكاميرا في استفادتها من تواتر الظلال والضوء وتناوب العتمة والنور في خلق جو الرهبة والرعب النفسي قبل أن تتوالى الأحداث العنيفة بالكشف عن نفسها بشكل مباشر في النصف الثاني من الفيلم. 

يتفانى الأب سال تيديشي راعي الدير، لحماية مسمار يدعي أنّه تمَّ استخدامه في صلب يسوع المسيح، وتتعرّض سيسيليا للتحقيق معها حول التزامها بالعهود الأساسية لالتحاقها والتزامها بالدير وخصوصاً مسألة عفتها وعدم اتصالها بأيِّ رجل، لتتضح خفايا الصورة عن المكان وهي رغبتهم بإعادة خلق منقذ جديد للعالم من عذراء لم تتصل برجل لنعرف بعدها أن للدير تاريخاً يجري فيه تجارب من عشرين سنة من قبل الأب تيديشي (ألفارو مورتي)، وهو عالم الوراثة السابق الذي يبدو وسيماً بعض الشيء بحيث يستبعد أن يكون كاهناً والتجربة الوحيدة التي نجحت هي مع سيسيليا التي وجدت نفسها حاملاً بالمنقذ المنتظر وبانتظار الحضور الثاني للمسيح بلا دنس وفق حماية ومراقبة شديدة من قبل والدة الدير (دورا رومانو) وهي تقوم بالترحيب بالملكة العذراء الثانية. 

حيث تفهم سيسيليا أخيراً ما يحدث لها ويضيف المخرج مطاردات طويلة، بما في ذلك جولة مذعورة في سراديب الموتى بالدير والتي تذكرنا بالعديد من أفلام الرعب الأخرى ويقوم بكل ما في مناظر الرعب الدموية لتصعيد الرعب والخوف لدى المشاهد والتصعيد في حالة الرفض لديها ومحاولتها الهروب بحجة الإجهاض بالبداية، ولكن ما أن يكتشف الأمر حتى توسم بكي أسفل قدميها لتفسّر فيه تلك الندوب التي تساءلت حولها سابقاً في أقدام الراهبات  المسنّات.  

تقسم فترة الحمل لثلاث فترات حيث نرى المطاردات الأخيرة وهي على وشك الولادة بكل ما فيها من خوف ورعب هيَّأت لتحول غريب في شخصيتها بعد كل ذلك السلام والطمأنينة المرتسمة على وجهها حيث تقوم بأعمال عنفيَّة مليئة بالدم بدأتها بالتخلّص من الأم رئيسة الدير وبعدها الآب سال وصولاً إلى الأب تيديشي حيث قامت بإشعال النار في مختبره وحرقه جزئياً ومحاولته قص بطنها للحصول على المنقذ، لكنّها هنا تكمل عليه بقوة أسطوريَّة مغالٍ فيها، هذا التناقض بين ما كانت عليه وبين ما وصلت إليه يوضح دور الشر بإيصال المرء إلى هذا الحال، لينتهي الفيلم بصرخات عنيفة متتالية منها احتجاجاً على وضع لا يد  لها فيه.

ماذا لو تساءلنا عن أهمية إنتاج أفلام من هذا النوع وخاصة أنه منتج حديثاً وعلى درجة عالية من التشويق، هل هو نوع من تدريب المشاهد على اعتياد منظر الدم والعنف والموت بشكل يمنعه من التأثر عندما يصادفه في الحياة الواقعية. 

أم هو إسدال الستار على عالم البراءة الذي لا مكان له في العالم الحديث، إذ تتحول الضحايا في منطقهم إلى قتلة تدريجياً وخلق مبررات 

لتحولهم.