رحيل روجر كورمان رائد أفلام الدرجة الثانية

ثقافة 2024/05/20
...

 أمجد البيروتي

في التاسع من أيار الحالي، وعن عمر يناهز 98 عاماً، توفي روجر كورمان، الكاتب والمخرج الذي ساعد في إنتاج أفلام كلاسيكية منخفضة الميزانية منها {دكان الرعبLittle Shop of Horrors}. 

بعد يومين من وفاته قالت ابنته كاثرين كورمان في بيان، {كان كريماً ومنفتح القلب ولطيفاً مع كل من عرفه}، مضيفة: {عندما سئل كيف يود أن يتذكره الناس، أجاب: يكفي أن يقال بأنني كنت مخرجاً 

سينمائياً}.

عبر مسيرة مهنية امتدت لأكثر من 60 عاماً، طوّر كورمان أسلوب عمل منخفض التكلفة ومبهجاً ما دفع البعض إلى وصفه بأنّه "ملك أفلام الدرجة الثانية". تميزت أفلامه بمؤثرات خاصة لا تتطلب ميزانيات كبيرة وبعناوين تجذب الانتباه مثل "هجوم وحوش السلطعون

"Attack of the Crab Monsters عام 1957". 

من مآثر كورمان أنّه أسهم بتطوير مواهب عدد من المخرجين المشهورين، كجيمس كاميرون (مخرج تيتانيك) ومارتن سكورسيزي (مخرج الأصدقاء الطيبون)، وله بصمات في إطلاق الحياة المهنية لممثلين مثل بيتر فوندا، وروبرت دي نيرو، وساندرا بولوك.

ولد كورمان في الخامس من نيسان 1926 في ديترويت بولاية ميشيغان، وتعاون في عدد من الأفلام، مع شقيقه الأصغر جين، الذي كان منتجاً ومدير أعمال. في البداية، مشى كورمان على خطى والده المهندس وحصل على شهادة في الهندسة الصناعية من جامعة ستانفورد. لكن بعد أربعة أيام في وظيفته الأولى، بشركة "يو إس إلكتريكال موتورز" في لوس أنجلوس، أدرك أن السينما شغفه الحقيقي، فالتحق على الفور بشركة "فوكس" الشهيرة، حيث عمل كساعي بريد.  بعد أن شقَّ طريقه إلى وظيفة "قارئ القصص"، غادر كورمان "فوكس" التي لم تقدر إسهامه بفكرة فيلم "المحارب " The Gunfighter، من بطولة نجم هوليود غريغوري بيك. وسرعان ما بدأ يعمل بشكل مستقل، وأنتج ما يصل إلى تسعة أفلام سنوياً، وأكثر من 400 فيلم طوال حياته المهنيَّة. تم إنتاج كل هذه الأفلام بميزانيات منخفضة ومعظمها حققت أرباحاً بلغت أضعاف تكلفة إنتاجها. على رغم أنّ أغلب أعمال كورمان كانت تميل نحو "الثقافة البسيطة"، إلا أنها حظيت بالإشادة من النقاد. بين عامي 1959 و 1964، أخرج سلسلة من الأفلام لاقت استحساناً استناداً إلى قصص إدغار ألان بو، وأبرزها فيلم "الحفرة ورقاص الساعة" عام 1961. أعمال أخرى، مثل فيلم الرعب الساخر "سباق الموت عام 2000"، و"سمكة البيرانا"، و" دكان الرعب" أصبحت من الكلاسيكيات، وحصلت على إعادة إنتاج بميزانيات كبيرة. جاك نيكلسون الذي تعاون مع كورمان في أعمال عدة قال مرة "كان روجر عن طريق الخطأ يقدم فيلماً جيداً بين الحين والآخر، لكنني لم أكن فيه أبداً".

نيكلسون، الذي ظهر في "دكان الرعب"، فضلا عن العديد من القصص المقتبسة عن إدغار ألان بو، كان واحداً من كوكبة الممثلين الذين أطلق كورمان مسيرتهم المهنيَّة. ظهر بيتر فوندا ودينيس هوبر جنباً إلى جنب مع نيكلسون في فيلم "الرحلة " The Trip، وهو كناية عن عمل في إطار "الثقافة المضادة" أخرجه كورمان عام 1967. "الرحلة" قدمت حافزاً لفوندا وهوبر ونيكلسون لصنع فيلم "راكب الدراجة الناريَّة" Easy Rider  الذي شكل علامة فارقة في السينما الأميركيّة. من بين الممثلين الآخرين الذين التقوا بكورمان قبل أن يجدوا الشهرة، الشاب روبرت دي نيرو، الذي ظهر في فيلم "ماما الدمويَّة " Bloody Mama، وساندرا بولوك، التي لعبت دور البطولة في الفيلم التلفزيوني "حريق في الأمازون " Fire on the Amazon، وويليام شاتنر، الممثل المعروف في فيلم "ستار تريك"، والذي لعب دور عنصري أبيض في دراما العلاقات العرقية لكورمان، "الدخيل "The Intruder.

لعب كورمان أيضاً دوراً إرشادياً للعديد من المخرجين الذين برزوا لاحقاً. في أوائل السبعينيات أنتج "عربة بيرتا " Boxcar Bertha، وهو فيلم على طراز أفلام "بوني وكلايد" من إخراج مارتن سكورسيزي، الذي كان على بعد عام من إطلاق فيلمه الشهير "شوارع وضيعة" Mean Streets.  كما أعطى كورمان أدواراً مبكرة في الإخراج أو طواقم العمل لبيتر بوغدانوفيتش، وفرانسيس فورد كوبولا، وجوناثان ديم، ونيكولاس روغ، وجيمس كاميرون الذي أعلن ذات مرة أنّه "تدرّب في مدرسة روجر كورمان للسينما".

قطع كورمان مسيرته الإخراجيَّة عندما تقاعد في العام 1971، وعلى الرغم من تفرّغه للعمل في الإنتاج، لكنه عاد إلى دور المخرج في فيلم الرعب عام 1990 "فرانكشتاين طليقاً" Frankenstein Unbound. كذلك ظهر أحياناً في أدوار تمثيليَّة، غالباً للمخرجين الذين كان يوجههم. وظهر بدور عضو في مجلس الشيوخ في فيلم كوبولا "العرّاب الجزء الثاني"، ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي في فيلم "صمت الحملان". ولعل الأمر الأكثر ملاءمة لخبرته ظهوره في "الصراخ الجزء الثالث Scream 3  "، بدور مدير تنفيذي لاستوديو إنتاج، وهو فيلم داخل فيلم. سلسلة أفلام Scream أكدت جدوى أعمال الميزانية المنخفضة التي كانت لفترة طويلة قوة كورمان في هذه الصناعة.

على الرغم من مكانته الهائلة في السينما، كان كورمان يبخس حق موهبته في ما يتعلق بالأفلام التي صنعها، معترفاً بمكانتها البسيطة والمبهجة.   

*عن {الغارديان} البريطانية