سفر ما قبل النوم

ثقافة 2024/05/21
...

  ذو الفقار يوسف

يبتسم خالد كلما اقترب موعد نومه، فهو ينظم ما يوفر له ذلك الجو الذي يبتغيه قلبه، وسادة مريحة لهامته، وفراش ذو ملمس لا يختلف اثنان على نعومته، باب مغلق بأحكام يستطيع طرد الأصوات بسهولة، "يجب أن يكون كل شيء مثاليا" هذا ما قاله وهو يربت على وجه وسادته ليجعلها مستعدة لاستقبال رأسه، فخالد ليس كبقية البشر، لا يفكر بما حصل في نهار هذا اليوم ولا بما سيحصل يوم غد، حتى كانت إحدى أمنياته الليلية أن تختفي الكائنات كلها في هذا الوقت من الليل، فقط في هذا الوقت، "أريد الانفراد بهذا الكون لوحدي"، كانت تلك أقصى حدود الأمنيات لديه. نام الجميع وعم الهدوء، ونسي خالد كل شيء قبل أن يستلقي على ذلك السرير، لم يهمه من أزعجه اليوم، لم يعد النقود التي تلقاها لقاء عمله، أو حتى أعاد رسم ملامح تلك الفتاة التي يحبها قلبه، لا ولوج للأحداث في هذا الوقت بكيانه، رقد في فراشه فقط وهو ينظر الى سقف غرفته، ليبدأ بابتسامة روح تأكدت من دخولها الجنة، شبك أصابع يديه بالأخرى ووضعها على معدته، أغمض عينيه بأمان لا خوف فيه ولا ترقب، تنفس بكل ما يستطيع من قوة ليزفر بعدها الحسرات، كل ذلك ليجعل قلبه مطمئنا خاليا من آثار الحياة، وليكون وحده بصفاء أمام هذا الكون اللا متناهي. عندها بدأ كل شيء كما يريده، غاص في السماء، والتصق القمر في سقف غرفته، تحولت خطوط أقلام الرصاص التي رسمها اخوه الصغير على جدار غرفته الأبيض إلى مذنبات تروح وتجيء بلا توقف، حتى أن المروحة صارت تكبر وتكبر كأنها ثقب أسود في إحدى المجرات، الغيوم كان اكثر بياضا من أي مرة بالرغم من غرابتها وهي تلوح بذراعيها لخالد ليقترب اكثر، كان كل ما يراه معجزة، الشهب وانطلاقها واحدة تلو الأخرى وهي تكسر حاجز الظلام في تلك الليلة، ذرات الهواء اختفت لتحل محلها النجوم، ورغم كل هذا الجمال لم تحرك الدهشة خالد من موضعه، فهو يخاف أن يعود إلى الدنيا، وفي تلك اللحظة طُرق باب غرفته ليختفي كل شيء، "كم جميلة هي الحرية" قال خالد ذلك وهو يرتدي القيود مجدداً بعد أن عاد إلى الأرض.