الحَرْبُ ليْسَتْ أُنثى

ثقافة 2024/05/21
...

  طه الزرباطي

أينَ يَجِبُ أنْ أكونَ؟
حينَ لا أكونُ؟
كيفَ أتلاشى حينَ يُحيطُني ليلُكِ؟
يَمدُّ يدَيْهِ،
 لسانَهُ،
 أنيابَهُ،
شفتيهِ،
سَكاكينَ احلامِهِ،
ماذا أفعَلُ؟
ثَمِلٌ كقِطعَةِ (أسفنجةٍ) شَرِبتْ أواخِرَ كأسي؛
قبلَ أنْ أصحوَ كانت قد مَسحَتْ الحَرْبَ عن لوحةِ التدريبِ؛
فَتَنَفَسْنا أمانٍ،
شكرْنا اللهَ لأنهُ تذكرَنا أخيرَاً،
وبَكيْنا على الشُهداءِ..
وحشيٌّ وبَريءٌ كطائرَةٍ ورقيَّةٍ تُهادِنُ الريحَ،
مَنسيٌّ كقصيدةٍ فيها أكثرَ من زِحافٍ،
أينَ يجبُ أنْ اضعَ يديَّ؟
ماذا أحصِدُ من سنابلِكِ؟
ماذا أكتبُ على خطى سنابِكِ خيلي؟
حينَ يَصْحوَ في لُجةِ الحَرْبِ؟
في كرنفالِ الشَظايا،
يذهبُ بَحْثاً عنك بِكُلِّ لا(معناك) لا (وجودكِ)؛
بِكُلِّ شهوتِي للموتِ فيكِ،
أينَ يجبُ أنْ لا أكونَ؟
حينَ لا تكونُ؟
كيفَ أمنعُ ترنُحَ خُطاي فوقَ ثلجِكِ؟
وتَمَنعُكِ؟
خِفتُ أنْ تشربني الحَرْبُ قبلَ أنْ..
أتذكرينَ قلتِ ( لِنحترِقَ برْداً )؛
فَفَعلنا،
(كأسفنجتين) امتصَتا بقايا الحرْبِ من دِنِها،
على أملِ نشوةٍ حماسيَّةٍ للسلامِ..
أيمكِنُ أنْ تُبدِعَ سلاماً يا.. حَرْبُ؟
أكونُكِ،
يامن لا يُمكِنُ أنْ تكونَ إلا حِكايةً،
اتذكُرُ حين عاتبْنا الحَرْبَ على السبورةِ؟
وشَطَبنا الخارِطَة،
والخنادِقَ،
والمواضعَ الشقيَّةَ؛
والأناشيدَ الحماسيَّةَ للموتِ بالإنابةِ،
والسؤالَ الخجولَ؛
لِمَ الحَرْبُ أذنْ؟
في مدينةٍ على الحدودِ؛
وأجِبُها أنْ تموتَ احتراقاً؛
لِتُتَخَذَ دَليلاً،
حتى آخرِ قُبلةٍ خلفَ النخلِ،
قبلةٍ برائحةِ القِداحِ؛
بين الرارنجِ،
والبُرتقالِ المُطعَمِ بالليمون،
والرمانِ الذي ينتظِرُ نابيكِ؛
بِطَعمِ الحُلمَةِ بالتُرابِ الوَطنيِّ،
ليَموتَ حُبَّاً..
أيُّ طيشٍ أحمَقَ هذا الذي يَصنعُ ابتِسامَةً؛
فجأةً،
فأغرَقُ..
كأنَّ إعصاراً عاتياً قلعَ نهديكِ،
بحُلمتينِ فضيَّتينِ كنجمتين ينيرانِ عُتمَةَ الحرْبِ،
تمتَعْنا حَربا؛
 وصَرحْنا لآلةِ التهريجِ؛
وقصائدِ صغارِ الوطنيين  من الشعراءِ (للبيعِ)،
نحنُ المَمنوعين من التصريحِ بأسمائنا،
لأنها تُخدِشُ حياءَ اللغةِ العاميَّةِ؛
هذه هي تُهمتُنا..
يجبُ أنْ لا نَكونَ،
أنْ لا نُغنيَ كما يفعلُ الجنديُّ في نوبتِهِ،
يَبكي،
يَرقُصُ،
يُمثِلُ (بانتومايم)،
يوجِهُ رِصاصةً على الظلامِ؛
فلا يقتُلُها،
ولا يخدِشُها،
فقط يُداعبُ صمتَ الموتِ بُوصَتينِ،
ماذا يفعلُ الصمتُ بنا حينَ لا نسمَعهُ،
لا نفهمَهُ؟
لا نُمارِسُ لُعبَةَ الغِناءِ،
بصوتٍ لا صوتَ لهُ،
فيعترِضُ على نوتاتِنا،
من عالمٍ آخرَ جاءتْ أغنيةُ الحَرْبِ،
هُنا يَحِبُ أنْ لا تكونَ؛
حينَ تكونُ..
كأُحجيةٍ أعمى فوقَ بستانِ ألغامٍ؛
كقصيدَةٍ حماسيَّةٍ كتبَها شاعِرٌ،
بِكُلِ ما يمتلِكُ من شياطينَ،
لِنُقتَلَ بالإنابةِ عَنهُ..
حينَ لا يكونُ إلا صوتا حماسيَّا،
أو سوطا..
تكونُ الحرْبُ قد ألغَتْنا جميعاً؛
ليكتُبَ نَصَّاً آخرَ في امتِداحِ الحربِ،
وينامَ حتى الصُبْحِ في حانتِهِ؛
على قصيدَتِهِ،
شاكِرا ربَهُ،
لأنه أنقذهُ من الحَرْبِ بالشعرِ.