باريس: غيث طلال
في الشوارع ومحطات القطار، تجد جدراناً تملؤها رسومات لفنانين يحترفون فن الرسم على الجدران. هكذا هي المدن الفرنسيَّة، فلكل جدار صورة تحكي قصة أو تعالج قضيَّة. وعلى الرغم من فوضويتها، إلا أنها محبوبة من قبل الناس.
ما يميز هذا الفن، هو أنه قادرٌ على تسليط الضوء على قضيَّة معينة، سواء كانت اجتماعيَّة أو سياسيَّة أو حتى بيئيَّة. لذلك يستقطب اهتمام الجمعيات والمؤسسات الخيريَّة، لأنها أقرب إلى الناس وأكثر شموليَّة في توجيه رسالتها لجميع الفئات العمريَّة ولا تحتاج في كثيرٍ من الأحيان إلى استخدام عبارات، بل تقتصر على الصور لتوصل رسالتها إلى الجميع، مهما كانت اللغة أو الثقافة. ويشتق اسمه من الكلمة الإيطالية (graffito) “نقش”، وتمَّ العثور على رسومات في الآثار الرومانية القديمة، وفي بقايا مدينة تيكال في المايا في أمريكا الوسطى، وعلى الصخور في إسبانيا التي يرجع تاريخها إلى القرن السادس عشر، وفي الكنائس الإنكليزية في القرون الوسطى، وخلال القرن العشرين، ارتبط الرسم على الجدران في الولايات المتحدة وأوروبا ارتباطًا وثيقًا بالعصابات الذين استخدموها في مجموعة متنوعة من الأغراض منها: تحديد أو المطالبة بالأرض، أو لإحياء ذكرى أفراد العصابات المتوفاة في “نعي” غير رسمي.
كان الرسم على الجدران بارزاً بشكلٍ خاصٍ في المراكز الحضرية الرئيسة في جميع أنحاء العالم، وخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، وظهر بسبب الأهداف المشتركة من خلال اللوحات الإعلانية، وظهر في التسعينات شكلٌ جديدٌ من أشكال الكتابة على الجدران، والمعروف باسم “وضع العلامات” والذي تضمن الاستخدام المتكرر لرمزٍ واحدٍ أو سلسلة من الرموز لتمييز المنطقة.
وبعد ذلك تمَّ اعتبار الرسم على الجدران شكلاً من أشكال الفن العام، واستمرارًا للتقاليد، على سبيل المثال، في الجداريات التي كلف بها مشروع الفن الفيدرالي لإدارة الأعمال في الولايات المتحدة أثناء فترة الكساد الكبير وعمل دييغو ريفيرا في المكسيك، يمكن لأعمال الجرافيتي الرائعة تجميل حي والتحدث عن مصالح مجتمع معين، على سبيل المثال، فإنَّ الكتابة على الجدران في العديد من الأحياء اللاتينيَّة في الولايات المتحدة متقنة للغاية ويعتبرها الكثيرون شكلاً من أشكال الفن الحضاري.
يقول وليام فردريك وهو رسام فرنسي إنَّ “إحدى هذه الجمعيات ساعدها فنّ الشوارع إبان حملتها لجمع التبرعات لمشروعٍ طبي، بمشاركة عددٍ من الفنانين الذين يؤمنون باستغلال الأماكن المهمشة لرسم لوحات تزرع الأمل والنور عند الناس”.
وعلاوة على دعم هذا النوع من الفنون للجمعيات الخيريَّة والحملات الإنسانيَّة، اتجه فنُّ الشوارع إلى نقل صوت المحتجين على قرارات سياسيَّة، كما حدث في العام 2012 عندما اقترحت المفوضيَّة الأوروبيَّة لصيد الأسماك فرض حظرٍ على طريقة للصيد تؤثر في الكائنات البحريَّة التي تعيش في قعر المحيط، وهو حظرٌ استمرت دولٌ مثل فرنسا وإسبانيا في إعاقته. وهنا توحد عددٌ كبيرٌ من الفنانين من مختلف أنحاء أوروبا وحاربوا بألوانهم لوقف هذا القرار، في عملٍ ضخمٍ شمل كلاً من لشبونة وبرلين وروما وبروكسل وباريس ولندن ومدريد.