أوراق شجرة السَّرو خورخي لويس بورخس

ثقافة 2024/05/22
...

ترجمة: أحمد كاظم سعدون



لي عدوٌّ واحد. لم أعرف أبداً كيف احتال عليَّ ودخل شقَّتي ليلة العاشر من أبريل عام 1977.

لم يَفتح باباً واحداً بل اثنين: الباب الضخم المُطل على الشارع وباب شقتي الصغيرة.

أشعلَ الضوء فأيقظني من كابوسٍ لا أتذكرمنه سوى حديقة؛ ومن دون أن يرفع صوته أمرني بالنهوض وارتداء ملابسي فوراً. موتي كان قد قُرِّرَ حينها والمكان الذي حُدِّدَ فيه قتلي كان على مسافةٍ ليست بعيدة. ولشدَّة ذهولي كنت عاجزاً عن الكلام فأطعته.

لم يكن طويلاً مثلي بل ممتلئ الجسم والكراهية زادت من جبروته. لم يغيره مرور الزمن لكن هناك قليل من الشيب على رأسه الداكن. كان نشطاً بفعلِ متعةٍ خبيثة . اعتاد أن يمقتني والآن سيقتلني. القط بيبو كان يراقبنا عَبرَ أبديته لكنه لم يفعل شيئأً لإنقاذي،  ولا النمر الخزفيّ الأزرق القابع في غرفة نومي ولا حتى سَحَرَة وعفاريت مجلَّد ألف ليلة وليلة. أردتُ أن يكون شيئاً ما بصحبتي، طلبتُ منه أن أجلب كتاباً. التوراة ستكون خياراً صعباً، وبشكلٍ عشوائيّ سَحَبَت كفي مجلَّداً من مجلَّدات أمرسون الأثني عشر. إذاً وبلا أدنى ضجَّة نزلنا السُلَّم. عدَدتُ كلَّ درجة. وانتبهتُ إلى إنه كان يتحاشى لَمسي، كأن ذلك سيُميته.في زاوية شارع جاركاس ومايبو، قرب مرتفع المبنى كانت هناك عربة تنتظر. وبإيماءة مهذَّبة بمثابة أمرٍ أشار لي أن أصعد أنا أولاً.

الحوذيّ كان يعرف وجهتنا مُسبقاً فضربَ بسوطه. كانت الرِحلة بطيئة جداً. وكما توقعت كان كلُّ شيءٍ صامت. كنتُ أخشى (أو آمل) أن تدومَ إلى ما لا نهاية. كانت ليلةً مُقمرةً خالية من الهواء. ولم يكن ثمَّة إنسان في الدرب. على جانبيّ العربة كانت البيوت الواطئة المتشابهة تحاصرنا. فكَّرت: إنه الجنوب الآن. عالياً بين الظِّلال رأيت ساعةً مُثبَّتةً على بُرج. فوق سطحها المُنير الكبير لم تكن هناك لا أرقام ولا عقارب. أستطيع القول أننا لم نعبر جادَّةً واحدة. لم أكن خائفاً ولا خائفاً أن أكون خائفاً ولا خائفاً أن أكون خائفاً بأن أكون خائفاً إلى آخرهِ أو إلى ما لانهاية على طريقة الإلياذة؛ لكن عندما فُتِحَ باب العربة وكان عليَّ النزول، كدتُ أقع. صعدنا بضعة سلالم حجرية كانت هناك صخورٌ ملساء عجيبة طوَّقها المزارعون بنباتاتٍ وأشجارٍ كبيرة كثيرة. قادني إلى أسفل شجرةٍ وأمرَني بالاستلقاء على ظهري فوق العشب ويداي ممدوتان.

ومن هذا الموضع استطعت أن أتبين الذئبة*؛ وهي التي أخبرتني أين نحن الآن.

شجرة موتي كانت شجرة سروٍ. وأنا لا إرادياً ردَّدتُ البيت الشهير:

“ كم تبدو طريَّةً بين أشجار السرو “

تذكَّرت أن الكلمة في ذلك المقطع تعني الطراوة لكن ما من ورقةٍ طريَّةٍ في شجرتي هذه.

كُنَّ متشابهات كلُّهنَّ قاسيات لامعات من صُنعِ مادةٍ ميتة. على كلَّ ورقةٍ منهنَّ كان هناك رمز. أحسستُ بالنفور والأمل؛اعتقدت ربما بمحاولة جريئة يمكن إنقاذي،أن أُنقذُ ويهلك هو ربما،أن يموت بكراهيته التي تلتهمه؛ إنه لم يلاحظ لا الساعة ولا الأغصان المشوَّهة.

تركتُ طُلسمي وضغطتُ بكفيَّ على العشب ولأول وآخر مرةٍ لمحتُ التماع النصل.استيقظت.

كانت كفي اليُسرى تتلمَّس حائط غرفتي.


ياله من كابوسٍ مُرعب،قلتُ لنفسي، ثم استغرقت في النوم.

في اليوم التالي اكتشفت أن هناك فراغاً بين الكتب في خزانة مكتبتي.

مجلَّد أمرسن ليس هناك؛ لقد بقي في الحلم. وفي العشر أيام التالية سمعتُ أن عدوّي غادر بيته في إحدى الّليالي ولم يرجع. ولن يرجع إلى الأبد. كان كابوسي قد أُغلق عليه. سوف يذهب ليكتشف، من شدَّة رعبه، تحت القمر الذي لم أرَ؛ المدينة ذات الساعة البيضاء، والأشجار الزائفة العاجزةعن النمو، وأشياء أخرى لايمكن قولها.


*هي تلك الذئبة التي ربَّت وأرضعت الأخوين التوأم روملوس وريموس؛بعد أن تم التخلي عنهما من قبلِ أبويهما؛ كما يعتقد قدماء الرومان؛فلمّا كبرا قاما بتأسيس مدينة روما.