أزمات التجربة التعليميَّة في لبنان

منصة 2024/05/22
...

 بيروت: جبار عودة الخطاط

يعد التعليم في لبنان من تجارب التعليم الناجحة في الوطن العربي نظرًا لما كانت تتمتع به من منهجيَّة مدروسة وأساتذة أكفاء، فقد استقطبت على مر السنين طلبة عرباً أصبح الكثير منهم من رموز الثقافة العربيَّة بشتى فروعها.. أما اليوم ومنذ العام 2019 أصبح التعليم في مهب أزمة خانقة أثرت فيه بشكل واضح..

وهي أزمة الاقتصاد العاصفة التي ضربت مفاصل عدة  في الحياة اللبنانية وألقت بظلالها الكثيفة على التعليم فانتقل من تجربة رائدة الى مصاف الترنح نتيجة لمصاعب المعيشة في بلاد الأرز، وسبق أن حذرت منظمة الـ "يونيسف" من خطورة التدهور المتزايد في معظم جوانب القطاع التعليمي من جراء الأزمات المتفاقمة التي تشهدها 

لبنان.

مع الإشارة إلى أن الأزمة شهدت أخيرًا انفراجًا نسبيًّا بعد تجاوز مرحلة إضرابات المدرسين إثر إجراءات الزيادة في أجورهم برغم أنّها لم تكن تلبي تطلعاتهم .

تقول الكاتبة والتربويَّة زينب مروّة: لطالما كان قطاع التعليم الثروة الحقيقيّة في لبنان، ومؤسساته التعليميّة قِبلة للمتعلّمين القادمين من الدول المجاورة. 

إلّا أنّ هذا البلد المجبول بالصعوبات والتحدّيات كابَدَ من هزّات متتالية بدءًا من وباء كورونا، وانتقالًا إلى التدهور الاقتصادي، وصولًا إلى تفجّر الوضع الأمنيّ في الجنوب.

وتشير الى أن الأزمة الاقتصاديّة أرخت بثقلها على القطاع التعليميّ في السنوات الأخيرة، وأدّت إلى نشوء حركة مدّ وجزر، وانتقال قسم 

من الطلاب من المدارس الخاصّة إلى المدارس الرسميَّة، ثمّ انتقال عكسي كبير بسبب إضرابات الأساتذة والمعلّمين في المدارس الرسميّة للمطالبة بتحسين 

أجورهم. 

وتوضح أن "هذا العام الدراسيّ بشّر بإياب الاستقرار إلى ربوع المدارس والثانويّات الرسميّة ومن ثم عودة مرتقبة لأعداد من الطلّاب ولا سيّما أنّ هناك تلويحًا بارتفاعٍ للأقساط المدرسيّة في المدارس 

الخاصّة".

وتتابع مروّة عن سياق جودة التعليم، وتقول: بسبب ارتفاع أسعار الوقود، وتخفيفًا لتكلفة النقل على الأساتذة والدولة معًا، فقد قُلِّصَ عدد أيّام العمل الأسبوعيَّة إلى أربعة بعد أن كانت خمسة، لكن مع تكثيف لساعات التعليم: ثماني حصص تعليميَّة بدل ستة، وهذا ما أثّر ويؤثّر في التحصيل التعليميّ لدى الطلّاب بسبب الإرهاق وتشتت التركيز في الحصص الأخيرة من الدوام اليوميّ.. وعلى الرغم من كلّ هذه الظروف الضاغطة ما زلنا نشهد في عيون طلّابنا تصميمًا على التعلّم واقتناص المعرفة؛ لأنّ هذا الدرب هو الأقوم للوصول إلى التغيير والتطوّر المنشودين.

بدوره يقول الباحث اللبناني عباس غصن إنَّ "التعليم في لبنان ربما نستطيع أن نقول اليوم إنه تجاوز جزءًا لا يستهان به من الأزمة الخانقة أو تعايش مع تداعياتها بعد أن رفعت المدارس الخاصة أقساطها جراء تفاقم الأزمة الماليَّة وهنا ربما اضطر الكثير من اللبنانيين الى ارسال أولادهم إلى المدارس الرسميَّة لتجنّب غلاء الأقساط المذكورة. 

وتابع: فعلا لاحظنا توجه الكثير من الأهالي نحو المدارس الرسميَّة للخلاص من ثقل الأقساط الدراسية للمدارس الخاصة التي اضطرت إلى رفع منسوب أقساطها تماشيًا مع التضخم الهائل في الأسعار التي تشهده البلاد، وهو ما يشكل عبئًا على تلك المدارس التي تحتاج الكثير من الدعم، علمًا أن عدد مؤسسات التعليم الرسمي يبلغ 1235 مدرسة، تضم نحو 342 ألفا و304 طلاب، ويقدر عدد أساتذتها بأكثر من 55 ألف أستاذ.  

وفقًا لنائب رئيس رابطة التعليم الثانوي الرسمي حيدر إسماعيل.

أما الناشطة لينا سعادة، وهي مهتمة بالشأن التربوي، فتشير إلى هواجس الأهالي الذين اضطروا لإرسال أولادهم للمدارس الخاصة تحت وطأة الظروف القاهرة، بقولها: لا أكتمك الكثير من هذه العوائل تخشى على أولادها من المستوى التعليمي (غير المقبول) في المدارس الرسميّة فالتعليم أهم شيء وكل ما تريده العوائل هو تحقيق أحلام أولادها، غير أنها تقر بأن المدارس الخاصة تعاني هي الأخرى فالمستلزمات التي تحتاجها كثيرة وتحتاج إلى أموال طائلة. 

وتدعو سعادة الى إعداد خطة حقيقيّة للنهوض بواقع المدارس الرسميّة التي عانت في السنوات الأخيرة.

من الإهمال من خلال تحسين أجور المدرّسين ليتمكّنوا من مجاراة الواقع الصعب لتحفيزهم لإعطاء الدروس الفاعلة وإدخالهم في دورات تأهيليّة حديثة تواكب متطلبات التعليم العصري.