خليل حاوي.. محاولة في الكشف

ثقافة 2024/05/26
...

   ريسان الخزعلي


(1)

ضمّت  "من جحيم الكوميديا"، مجموعة الشاعر خليل حاوي قصيدة طويلة بعنوان "شجرة ُ الدرّ". والقصيدة تطويع شعري لحكاية من "سيرة الملك الظاهر".. تقول الحكاية: ولمّا جُنَّ الليل طلعَ (إيبك) - وهو المَلِك  في زمانه-  إلى السرايا فاستقبلته "شجرة الدرّ" - وهي جاريته- ببشاشة وأجلسته إلى جانبها. وحصل بينهما عتاب، ثمَّ وقع الصفا واستطاب حتى أتى الصباح. وكانت تُجهّز الحمّام الذي في السرايا. ودخلا إلى الحمّام فقالت شجرة الدرّ: يا ملك الزمان هل رأيت البدويّة أحسن منّي شَعراً أو أبيض منّي جسماً أو أحسن منّي وجهاً؟ فقال لها لا والله يا شجرة الدر أنتِ أحسن منها ومن غيرها ولكن أنتِ كبيرة، أمّا البدوية فهي صغيرة بنت أربعة عشر. وهذا الكلام يُغيض النساء كثيراً. فعندما سمعت منه ذلك الكلام تغيّر وجهها وأضمرت له الأذى وأخفت الكمد واللوم، وصارت تُسايره في الكلام وتلهيه عنها. ثم خرجت من الحمّام لأجل أن تأتي ببعض الحاجات. وأتت بخنجر وأخفته داخل فوطتها، ودخلت إلى الحمّام وصارت تحكي مع أيبك وتُسلّيه، ثم أخذت الصابون وصارت تغسل رأسه وعينيه ووجهه إلى أن ما عاد يرى ما تفعل. ثم  سحبت الخنجر وذبحته من الوريد إلى الوريد، فسال الدم في الحمّام وجرى مع الماء إلى الجنينة.

(2)

ما الذي استهوى الشاعر خليل حاوي في هذه الحكاية التراجيدية لتكون تمهيداً لقصيدته. هل الخيانة أم واقعة الموت قتلاً؟ 

ربّما نُسقط شيئاً من ظلال هذه الحكاية على ما آل إليه مصير الشاعر انتحاراً، بعيداً عن التعليل القائل بأن موضوع حصار بيروت وشعوره بضياع الوطن كانا سبب الانتحار. وقد يُحتمل التأويل: أن ثمّة تحسسا ما من (خيانة) لا يُطيقها، وخوفاً من قتل شبيه بقتل (أيبك) فقد أراد أن يستبق ما سيقع له غدراً – بعد يقين من هذا – وفضّل الانتحار. وقد يُرجّح هذا الاحتمال قوله في نهاية القصيدة:

طالما عانيتُ

أقسى من جنون الجنِّ

في عمري، صراعًا

ليس يُجْدي.

طالما عوّدت ُعينيَّ

على ظلمة لحدي.

درة ٌحمراءُ

يمتدُّ رمادٌ فاترٌ فبلي وبعدي. 

(3)

حاولتُ استثمار الواقعتين "القتل خيانة والانتحار الطوعي" لاستنطاق الشاعر بالأسئلة، وهي محاولة في الكشف، مفترضاً أن الواقعتين قد راقتا له شعوريا ولا شعوريَّا:

شجرة ُ الدرِّ

تغتالُ أيبكَ في الحمّام غيرَةً

من البدوية، فللنساء ما في النساء..،

من زورة في العشق وطعنة في الخفاء.

لم يرَ الخنجر..،

رغوة الصابون كانت.. 

حجاباً على عينيّ أيبك..

فما كان حجابك..؟

كيف راودت ما في النساء..،

وهل أخفيتَ شجرة الدرّ  وأيبك..،

في غرفة النوم، وكنتهما معاً؟