ما الذي يجعل الفن مهيأ للتأويل؟

ثقافة 2024/05/28
...

 خضير الزيدي

يملك الفن من الإشارة، ما يثير الانتباه إليه، ويتعزز ذلك في أعمال كثيرة قابلة للتأويل. وقد ينجح العديد من النقاد في وضع آلية لتحليل العمل الفني ليقدموا مقاربات تتمثل في نهاية المطاف ببراعة من خلال اداة اللغة والتحليل والوصف وقراءة الجوانب النفسيّة لأبعاد العمل المنجز ولكن في النهاية لابد من التساؤل لماذا الفن مهيأ للتأويل؟ إلا يمكن أن يكون صريحا وواضح المعالم كما يحدث في الرسم الواقعي وإذا تطرقنا للبناء والشكل والأغراض الجمالية، فهل علينا أن نحمّل العمل الفني ما تزخر به حمولاته من مغايرات لنجد أنفسنا أننا عثرنا على أي أثر نستفيد منه في جوانب التحليل، وبالنتيجة سيشتمل الأمر على التبصر بوصف كل الخصائص التي يتبناها الشكل الفني مع مراعاة مسألة مهمة وهي الاعتراف بأن الغالب من عمليات التحليل والقراءة النقدية للأشكال تبدو وكأنها معقدة. فكيف ننجح في وضع القراءة والتأويل لنهتدي إلى ثوابت نجاح فكرة العمل والانتباه الى مركزيته؟
يتطلب الأمر في البداية أن نسمي مكونات وطبيعة الأعمال وأن نفهم إن آلية المحتوى والشكل لابد أن تكون ذات انسجام، لأن نهاية التأويل يمثل تلخيصا في الكلام النقدي، وعليه لابد من معرفة جوانب النظام الجمالي وتحديد مواقع المستويات المرغوبة في البناء والشكل الذي يضمه العمل. والأمر المهم الذي نؤكد عليه يتمثل في احساسنا تجاه اللوحة  أو النحت والبحث عن المعيار اللازم لارتباطه بطاقة الابداع الفردي. فبدلا من أن يظهر الفن غريبا ومشوشا علينا أن نفتش في الأسباب الداعية لغموضه، لنؤكد في النهاية أن الجمال عنصر ثابت في الأشكال لم يكن عصيا على التمثيل سواء في الخيال والذهن أو أمام العين البصرية.

ما الغاية من التأويل؟
يهدف التأويل إلى كشف محتوى الفن وسيكون تلخيصه قائما وفقا لاعتقادات ثابتة أو متحركة تعتمد الأولى على ثقافة الناقد، وتعدد قراءاته للعمل وتلجأ الثانية إلى تشكل المخيلة وتفردها فالبعض من النقاد يترك حمولاته المعرفية (أسطورية/ رمزية/ جمالية/ واقعية) على العمل وليس بالنتيجة أن يكون على صواب. إذ لا يمكن أن نحمّل اللوحة الفنية أكثر مما تحمله من ايحاء. وهذا الارباك في تفسير العمل وتحليله يرجع إلى الناقد وليس لوحدات العمل.
هناك معنى واحد يحتويه ذلك العمل الفني، ربما يكمن في جمالية الحرفة وتقنيتها، بينما يذهب المؤول إلى تبني أفكار نفسية وشعور يبدو غريبا علينا وستكون غاية التأويل فهم المنجز وتفسيره في نهاية المطاف، وأيضا لابد من الاعتراف في أن الفن كسلسلة جمالية لها تاريخ قديم منذ العصور الأولى لم يتواجد بعيدا عن رؤية الإنسان وخياله، ولم يكن بعيدا عن دهشته، فالفنان في الحقيقة يمتلك قدرة خيالية ويحاول ايجاد موقف من الطبيعة والوجود وما يتراءى له. قد يكون غائبا عن غيره مع مراعاة أمر مهم عند الفنان وهو التنظيم في نجاح عمله وعلى هذا الأساس يخلق الفنان تصورا مختلفا اتجاه ما يتبناه من آراء فكرية وفلسفية وجمالية.
لقد قرأنا العديد من النظريات المفسرة.. كنظرية التحليل النفسي ونظرية الجشطالت وكان لآراء رودلف ارنهيم في الفن ما يعزز قيم النظرة إلى الفن وتأويله، وفهم تنظيم المثيرات الادراكية. وبقيت كل تلك الأفكار التي تشير للفنون قابلة للمراجعة، وبقى الفن متحركا من خلال رؤية وتأويل قوانين إبداعه جماليا ونظريا، لكن الأمر الذي يجعل الفن قابلا للقراءة والتحليل يكمن في سطوته النفسية والذهنية أمام من ينظر إليه.