يعني التعلّم تلقي معرفة، قيم، مهارات، تؤدي الى تغييرٍ إيجابي في السلوك يضمن للفرد أنْ يعيشَ حياة أفضل، وهذا ما انشغل به علماء التربية والتعليم، غير أنَّ علماء النفس فاجؤوهم بنظريَّة تقول إنَّ الإنسان يمكن أنْ يتعلمَ أيضاً أموراً تؤدي الى تغييرٍ سلبي في السلوك فيعيش حياة بائسة، وأكدوا لهم بتجربة أننا يمكن أنْ نتعلم اليأس تحديداً، إليكم خلاصتها:
صمم أحد علماء النفس غرفة محكمة الإغلاق بأرضيَّة مكهربة، وجاء بكلاب وضعها داخل هذه الغرفة وعرّضها لصدمات كهربائيَّة، فأخذت هذه الكلاب تركض داخل الغرفة بحثاً عن منفذٍ تخرج منه حتى أنّ عدداً منها صارت (تعوي) وتضرب رأسها بجدران الغرفة، الى أنْ تعبت تماماً، فاستسلمت وربضت على أرضيَّة الغرفة المكهربة من دون أنْ تحرّك ساكناً.
في المرحلة الثانية من التجربة أدخل الباحث كلاباً جديدة، وفتح في الغرفة منفذاً خفياً للهرب، وعرّض المجموعتين لصدمة كهربائيَّة، فحصل أنَّ الكلاب الجديدة بحثت عن المنفذ الخفي فوجدته وهربت، بينما ظلت المجموعة الأولى من الكلاب تتلقى الصدمة الكهربائيَّة وهي مستسلمة، والسبب هو أنَّها كانت قد تعلمت في المرحلة الأولى من التجربة أنَّ لا جدوى من محاولة الهرب، وهذا هو الدرس الذي تعلمته واستمرت عليه في المرحلة الثانية من التجربة التي كان بمستطاعها أنْ تهرب من الصدمات الكهربائيَّة، وهذا هو اليأس
المتعلم.
قد تقول إنَّ هذا ينطبقُ على الحيوانات ولا ينطبق على الإنسان، والجواب هو أنَّ الإنسان يمكن أنْ يتعلمَ اليأس بالطريقة ذاتها التي تعلم بها الكلب، ولا فرق!.
لاحظ ذلك عندما يرسب الطالب لمّرة أو مرتين ويترك المدرسة، وراقب أشخاصاً من حولك، ستجد بينهم كثيرين.
والسبب الرئيس لليأس المتعلم هو اعتقاد الفرد اليائس بلا جدوى الفعل، أي أنَّ الفرد اليائس هو ذلك الذي آمن ويؤمن، أو تعلم أو يعتقد بعدم قدرته على السيطرة على المتغيرات المؤثرة في حياته، أي تخفيف معاناته والحصول على الرضا والسرور، ما يعني أنَّه يظهر فقط في الحالات التي يؤمن فيها الفرد بأنه لا حول ولا قوة له إزاء مواقف الحياة ولا أمل له
فيها.
وقد يدفعك الفضول وتسأل: وهل يحصل أنْ نتعلم الكآبة؟
والجواب نعم.. حالها حال اليأس المتعلم؛ لأنها ليست سوى نتيجة لصدمات لا يمكن التخلص منها أو هكذا تبدو للمصاب بها؛ أي أنَّ الكآبة يمكن أنْ تكتسبَ بالتعلم.
فالأم التي تكثر من شكوى الهموم والمتشائمة طول الوقت التي حتى لو حدث أنْ ضحكت، فإنَّها تدعو ربها أنْ يجعلها «ضحكة خير» لأنها تتوقع الشر دائماً، فإنَّ ابنتها سوف تتعلم الكآبه منها لأنها «تصّبح» بوجهٍ عبوسٍ، «وتمسي» على وجهٍ بائسٍ.
وكأن وجه أمها هو والحزن في صحبة دائمة، وأنَّ الفرح إذا جاء «فخطار عدنه الفرح».
وما الدرس الذي نتعلمه نحن جيل الكبار؟
إنَّ المستقبل لجيل أبنائنا، فلنكف - نحن جيل الصدمات - عن الشكوى أمامهم، وإنْ كان بيننا من لم يستطع، فليدخلوا غرفهم ويغلقّوا الأبواب عليهم، واشكوا وابكوا ونوحوا.. براحتكم.