عصام كاظم جري
يعدُّ العنوان العتبة الأولى للكتاب والأكثر جدارة بالاهتمام، كلّ كاتب يفتّش عن عناوين لمؤلفاته ونصوصه بدقة وحذر، بغية أن يستهوي القارئ ويفتنه من جهة، ويرسَّخ بصمته الكتابيّة في جذور الزمن من جهة أخرى، ولا نختلف في القول إن العناوين أسرارُ الكتب، تستفزُ القرّاءَ، ودُور النشر، والصّحف والمجلات والنقاد على حد سواء، وأذهب إلى ما ذهب إليه كثير من الكتّاب في كتابة مذكراتهم أو من خلال حواراتهم، إذ أكدوا أن أصعب النهايات في الكتابة حسم موضوع العنوان، فهو مرآة المتن ووسيلة انتباه لاكتشاف القيمة والأهمية.
وافتتاحُ الكتب دليلُ مضمونها، نعم العناوين عند بعض الكتّاب بمثابة معضلة، وهذه حالة تعافٍ لاخلاف عليها،
وقد جعل بعض الكتّاب من عناوينهم نافذة ضوء تحيط بالقارئ، وأمست عناوين أخرى أشهر من كتّابها، حيث شغلت تلك العناوين الأوساط الأدبيّة وغيرها، وتحوّلت إلى جمل شائعة ترددها ألسن الناس، أسوة بالأمثال التي تضرب في حادثة ما، ومن هذه العناوين "في انتظار غودو" للكاتب صموئيل بيكيت.
أمّا موضوع ثنائيّة الغموض والإيضاح في اختيار عناوين الكتب، فيعود إلى ثقافة وحدس وتجربة وهدوء الكاتب، ويقيناً إن العناوين تعدُّ أهم نصوص الكتب، لذا كشف كثيرٌ من المؤلفين حقيقة أنهم انتظروا طويلا حتى يعثروا على العنوان المناسب، ولا اكتفي بالقول إن العنوان أهم نصوص الكتب، بل هو صناعةٌ وابتكار جديد منفرد ومستقل.
أحيانا تتدخل دُور النشر في اختيار عنوان ملائم ونهائي لكتاب ما، وإنْ لم يكن ذلك من شأنها، ولكن يتم هذا الاختيار بالاتفاق بين المؤلف ودار النشر، ولا أرى أية مشكلة في ذلك، بل أراه إضافة نوعية.
إن الجهد والوقت في وضع العنوان معادل موضوعي لزمن التأليف والكتابة. لقد ذهبت مجموعة كبيرة من المؤلفين إلى اختيار عناوين مؤلفاتهم بطرق كلاسيكيّة نوعا ما، كأن يكون مأخوذا من أحدى مقالات أو قصص أو قصائد كتبوهنّ.. إلخ، وآمنَ البعض إيمانا مطلقَا بأن يكون عنوان كتابه عبارة عن ومضة شعرية، وهذا ما ذهب إليه كثيرٌ من الشعراء ومن بينهم الشاعر الراحل علي عيدان عبدالله، فقد اختار العنوان الآتي لأحدى مجموعاته الشعرية: "بعد أن تزيل عنها رغوة النعاس تكون قد هيأت لنجمة الصباح قهوتك".
وبالمجمل، العناوين المفضلة تكون قصيرة بالعادة، أو تلك التي تشكّل لغزا ما للقارئ، ويحدث أحيانا ما يسمّى بوقع الحافر على الحافر.
واللافت للانتباه قد طرأ أكثر من هذا الأمر، ففي عنوان "القيامة" مثلا، وقع الشعراء "جابر السوداني، وعبد المنعم حمندي، وقاسم حدّاد" في هذا التوافق مصادفة.
إن تجانس العناوين لأكثر من أمرين موضوع مثير بعض الشيء، بمعنى الوقوع في أكثر من أمرين وليس بأمرين فقط، ولعلّ الأسباب التي ذكرتها في أعلاه وراء هذا التّشابه أو التّداخل أو التعالق النصيّ، ففي عام 2005، صدرت عن دار أزمنة مجموعة شعريّة للشاعر العراقي آزاد أسكندر تحت عنوان "أنا الذي رأى"، وفي عام 2006 صدرت للكاتب العراقي محمود سعيد رواية بعنوان "أنا الذي رأى"، وهي رواية تدور أحداثها عن تجربة الكاتب مع رجالات المخابرات في زمن نظام البعث وفضح أساليبهم الوحشية، وما لفت انتباهي أن الشاعر رعد شاكر السامرائي أصدر مؤخرا مجموعته الشعرية الرابعة تحت عنوان" أنا الذي رأى"، منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق 2024، لانختلف ان تلك الكتب غير متشابهة إلاّ في العنوان وإذا كان ثمّةَ اعتراض أقول: نعم هذا الأمر ليس جديدًا ولاغريبًا في التأليف عموما، لكنه ظاهرة تثير الجدل والتساؤل والشك!