عدنان الفضلي
يعد السرد هو الفن الأكثر حضوراً بعد عام 2003 بسبب تراجع الشعر الذي تتحمل وسائل التواصل الاجتماعي مسؤولية تقهقره قبالة القصة والرواية، ولعل هذا الحضور الذي ناله السرد يأتي لصعوبة الخوض فيه على وسائل التواصل الاجتماعي، لكونه يحتاج لأدوات لا يمكن الاستغناء عنها.
المواهب السردية برزت في الآونة الأخيرة من خلال المسابقات التي يقيمها الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، وآخرها مسابقة الأدباء الشباب بدورتها الخامسة التي أعلنت نتائجها على هامش فعاليات يوم الأديب العراقي، حيث فازت ثلاث مجاميع قصصية بالمراكز الثلاثة.
من بين تلك المجاميع الفائزة كانت هناك مجموعة بعنوان (تنورة جينز قصيرة) للكاتبة الشابة مآب عامر، وهي مجموعة تضم بداخلها ستة عشر نصاً قصصياً، تشتغل من خلالهم القاصة على تقديم سرد مغاير يتسم بالجرأة والوضوح، ويسير باتجاهات عدة لا يمكن حصرها في زاوية معينة من زوايا الفنّ القصصي.
في قصتها الأولى (عبوة ماء) تستند القاصة على اليومي المسرود، في تتبع الحكاية التي تصوغها، متخذة من الفتى الجابي (السكن) بطلاً لحكاية العوز غير المانع للسخرية، فهي ترسم ملامحه وتستقصي العوز بداخله لكنها تتركه حائراً لا يلوى على فعل مختلف عن ما يحدث لدى أقرانه من الفتية.
في قصتها الثانية والتي تمثل عتبة المجموعة وعنوانها الرئيسي (تنورة جينز قصيرة) كانت حكاية الأعياد مصطبغة ببعض جرأة الفتيات اللواتي يتجاوزن السائد والمألوف في تصرفات لا يستسيغها المجتمع المحافظ، لكن الكاتبة تدفع بنا إلى تلق آخر، وهو تلقينا لنتائج ونهايات مشوّقة لم نعتد عليها في كثير من سرديات كتبها قصاصون أكبر عمراً من كاتبتنا مآب عامر بدلالة أنها أنهت قصتها بانتصار النسوي على الذكوري، لتنتهي الحكاية بإبهار مختلف يحسب
للساردة.
في القصص القصيرة الأخرى التي ضمتها المجموعة، نجد أن (مآب) تجيد الخوض في التفاصيل الصغيرة التي تعدّ مضمرة في المجتمع العراقي، لكنها تقتحم تلك التفاصيل وتسردها، بل في المجموعة كلها أرى أن الكاتبة تعيش تلك التفاصيل قبل أن تطلق حكاياها وقصصها، كما هو الحال في قصتها (كحول ممنوع) حيث تقدم لنا سرداً منقوعاً بأحدث عراقية خالصة، تقع ضمن المسكوت عنه، لكنها تقتحمه غير مترددة أو خائفة من القامع الديني أو القامع الثقافي، حتى أنها تتوغل في عمق تفاصيل مثيرة تجعل من القصة مشوّقة وتستحق التوقف عندها طويلاً كونها القصة الأهم والأجمل في المجموعة كلها.