د. يوسف رشيد
لم يكن غريباً على كلية اللغات في جامعة بغداد تقديم عرض باللغة بالإنكليزية على مسارح العراق، بقدر ما هو اجتهاد متميز من أحد أساتذتها وطلبة قسمه وإدارته، ليحقق إضافة هامة على المستويات المعرفية والإبداعية في مسرحنا الناهض، وليحقق التنوع الذي من شأنه أن يعبر عن طاقات ممثلة بجهود الدكتور صباح سالم، الذي يغامر للمرة الثانية في هذا الشأن، بعد ما حققه من نجاح كبير في العرض المسرحي الأول عبر فرقته الطلابية "فرقة المسرح الإنكليزي في العراق" على خشبة الرافدين، واليوم يكسبون رهاناً جديداً في عرضهم الثاني الذي قُدم مؤخراً على مسرح الرشيد، ليؤكد أننا بالمحبة وبالعمل نستطيع أن نعبر عن هواياتنا وطاقاتنا الإبداعية عبر عرض التمكن الأدائي واللغوي لطلبتنا في عمل لا يقل أهمية عن أهم التجارب المسرحية.
وعكس الطلبة المشاركون قدرتهم وتمكنهم مما تحصلوا عليه من معارف علمية باللغة الإنكليزية، وهذا ما منح التجربة تفردها، وما توافروا عليه من التزام وانضباط في تمثيل ملاحظات وفرتها لهم خطة الإخراج والتأليف من قبل د. صباح سالم، وفريق الإدارة المسرحية، لاسيما محمد يوسف رشيد ممثلاً ومديراً للمسرح، وفريق الممثلين الذين أظهروا كأنهم محترفي التعبير والأداء بشكل رائع في تنفيذ العمل.
لقد كان العمل هذه المرة أكثر من سابقه مفاجئاً في الجنوح والطموح نحو مثالية العرض والسعي إلى تحقيق تكامليته الفنية والدرامية، وقد يُرى ذلك واضحاً من خلال صياغة النص الذي ألفه سالم، وتصدى له في الإخراج المسرحي، وليس عند هذه الحدود وحسب، فقد صمم للعرض مفردات "سينوغرافية" متميزة جاءت منسجمة ومستجيبة لمتطلبات العرض، حيث النجاح في توظيف عناصر الإضاءة والأزياء، على الرغم من الإمكانيات الإنتاجية الفقيرة مادياً والثرية في الاستجابة لتوليدية أشكال لمشاهد درامية تستهدف أكبر شريحة من المشاهدين، حتى وإن كانوا لا يجيدون التعاطي مع اللغة الإنكليزية، إذ وفر المخرج بذكاءٍ نابه فرصة لإنجاح وصول العمل إلى المتلقين، عبر عرض ترجمة قدمت خلف فضاء المسرح، وكذلك دفع بأحدى الشخصيات التحدث بعض عبارات اللغة العربية وبشكل كوميدي جميل أضفى على المسرحية مسحة من الكوميديا الشفافة إلى جوار فلسفة فكرية تصدى لها المخرج من نصوص عالمية وشكسبيريات لها حضور في ذاكرة المتلقي المسرحي العراقي المثقف.
ولعل اهم ما تميز به العرض إنه كان جماهيرياً بمعنى الكلمة من خلال الحضور الذي ملئ قاعة مسرح الرشيد حتى وقوفاً حتى نهايته وتحية ممثليه، وكذلك مفاجأة العرض لجميع الجمهور بمسرح ثقافي يكون قريباً منهم ويؤثر فيهم.