صلاح حسن السيلاوي
ألقى الشاعر والباحث حسن الفتال محاضرة تحدث فيها عن أروقة الأدب والتراث في مدينة كربلاء وعلاقتها بحياته الشخصية ومنجزه، عبر أمسية أدارها الشاعر عقيل أبو غريب، على قاعة اتحاد أدباء كربلاء بحضور واسع.
ابتدأ أبو غريب الأمسية بالحديث عن تجربة الفتال بين الأدب والتراث بقوله: يقول الروائي ماريو فارغاس يوسا إن التجربة البشرية التراكمية عبر الزمان والمكان هي أعظم إنجاز للثقافة، ولا شيء يسهم في تجددها إلا الأدب.
الأدب ينقلنا إلى الماضي، إلى من كان في العصور الماضية قد خطط، واستمتع، وحلم بتلك النصوص التي وصلت لنا، ولهذا السبب اعتقد أن الفتال أختار الربط بين تجربته الادبية وعلاقتها بالتراث ليستعرض لنا ما خبأته الذاكرة كل تلك السنين الطوال التي عاشها في كنف مدينته المقدسة كربلاء وما اسبغت عليه من قيم عليا وأخلاق استمدها من تراث المدينة وعبق تاريخها الذي لا يشابهه أي تاريخ في مدينة أخرى.
ثم تكلم عن السيرة الذاتية للفتال مشيرا إلى أنه ولد في كربلاء عام 1952 وبدأ كتابة الشعر مبكرا فمارس مختلف فنونه متوزعا بين القصيدة العمودية والتفعيلة والشعر الشعبي والحسيني فشارك زملاءه الحسينيين في إطلاق الكلمة الحرة إبان حكم النظام المقبور في تحدي كل القيود.
لافتا إلى أن الفتال شارك في الحركة المسرحية وأدى أدوار رئيسة مع فرق المسرح العمالي والشباب والمسرح الجماهيري.
صدر له بين الشعر والبحوث والدراسات كتب كثيرة منها: "مراثي الطوفان" و"الشعائر الحسينية.. موروث مكتسب أم.. هوية"، و"مصرع إعلامي خلف المايكرفون"، و"تراتيل في قداسة التراث الكربلائي" وغيرها.
ابتدأ الفتال حديثه عن سيرته وبعضا من محطات حياته ممزوجة بحياة المدينة وأمكنتها وتواريخها، مشيرا إلى أسماء بعضها وخصوصياتها وارتباطه وأهل المدينة بها، ومما قال: فرضت علينا البيئة أو الأعراف والتقاليد أن نتقيد بما يُملى علينا ليس من قبل الأهل فحسب بل من قبل المجتمع والحذرِ من رقابته. كان محظورا علينا في فترة الطفولة والمراهقة قطع المسافات البعيدة والذهاب إلى أماكن تُعدُ خارج المدينة ومنها مثلا ما يسمى البزل أو الجدول وهو اليوم يُعرف بشارع بيت المحافظ. ولعله كان يسور أقصى المدينة. كان ارتياد المقهى يُعد عيبا على من هو بأعمارنا آنذاك وبما أننا كنا نسكن منطقة العباسية فكنا نمر مرور مشاهد على مقهى في منطقة "الحوض" هكذا كانت تسمى وكان صاحب المقهى يكنى "أبو خيارة" ولا أدري هل هو اسم ابنته أم كنية معينة؟ كانت هذه المقهى في مكان أصبح اليوم يقابله موقع مركز شرطة العباسية. ثم ذهب في جانب آخر من محاضرته إلى المحطات ذات الأثر والوقع والإنعكاسات والتوهجات في حياته بقوله: لعل أولَ محطة كانت مدرسة الحسين المسائية وكان نصيبي أن أكون طالبا في الدراسة المسائية منذ البداية. وتعلمت فيها بعض ابجديات الحياة حيث المعلمون الآباء والمتمرسون ولا تفارق مخيلتي صورة المرحوم الخطيب آنذاك السيد حسين الشامي معلم التربية الدينية بزيه الديني الذي كان يحاكي عقولنا بروحية مرحة وكذلك صورة معلم مادة الحياتية الذي لا أتذكر اسمه، وكذلك صورة المدير المرحوم محمد حسين الأديب الذي كنت أتابعه حتى حين يلقي بعضَ المحاضرات ليلا في مقر "الجمعية الخيرية الإسلامية" التي كان موقعها في شارع الإمام عليه السلام قبل أن يزال حتى حين كنت آنذاك غض الإدراك وتفوتني بعضُ المشافهات.
المحطة الثانية: جامع الترك الذي هو اليوم معروف بجامع المرتضى وله تفصيلات كثيرة لا سبيل الآن لذكرها. وقال الفتال عن المحطة الرابعة من حياته: لعل مروري بهذه المحطة بها كان إيذانا لاقتحامي ميدان مبارزة الشجن والكربات وإبدال التأوهات بإفصاحات مدونة وذلك من خلال ولوجي عالمَ الأدب الحسيني التراثي الكربلائي وربما شبُه تخصصي بهذا.
تلك المحطة هي منبرٌ منتصب إلى جانب خان مصطفى خان وأمام داره في شارع العباس الذي هو اليوم بناية بلدية كربلاء المقدسة وكان يشغل ذلك الخان بعض أصحاب الحرف اليدوية التجهيزية ومنهم كان رجل ثمانيني وهو "حجي أحمد بحراني" يصنع "حصران البردي" وليس الإسل وكانت بضاعته رائجة.
محطة فرعية أخرى وهي بعض المحال التجارية أو الدكاكين التي كانت تزين جدرانَها لوحاتٌ أو يافطات خُطَّ عليها أبياتٌ من الشعر الحكمي خصوصا مما هو منسوب لأمير المؤمنين علي عليه السلام إذ هي كانت تستوقفني كثيرا وربما لا أغادرُها إلا حين أحفظُها وأعيدُ إلقاءَها عن ظهر قلب وأنصرف. المحطة الخامسة: ولعلها من أهم المحطات في مسيرتي. اذ تسللت لها بعفوية وبكل هدوء وصمت وربما كان من يراني وأنا بذلك العمر يعد تسللي تطفلا أو تسرعا إنما كنت اصمد وأصر وأثبت بأني أحسنت وأصبت الاختيار لهذه المحطة فرحت أختلي بها بنفسي ويجول بصري بِحَيرة كبيرة نحو جدرانها حتى أختارَ منها ما يؤنس وحدتي ويشطب سطورا من أوراق حزني وهو كتاب معين سواء عينت وأدركت أهميةَ عنوانه أو حتى اختيار على غير هدى إنما أحصد منه ولو جزءا مما أريد. هذه المحطة مكتبة أخي الدكتور المرحوم علي الفتال التي اشتملت سنواتُ عمرها على ستةَ عشرَ ألفَ! كتابٍ.
منحتني المكتبة جواز مرور مشروع ممهور بتأشيرةِ ولوج لعالم الصياغات الإيحائية لإنشاء مئات القصائد والمقالات والمؤلفات الأخرى.