علي حمود الحسن
قد تبدو مفارقة أن أكتب عن وقائع مهرجان كان السينمائي بنسخته الـ 77، وانا لم أتابعها على أرض الواقع، لأسباب منها غياب تقليد حضور المهرجانات السينمائية في الصحافة العراقية، وارتفاع تكاليف سفره، ما جعل الحضور يقتصر على قلة من ذوي الإمكانيات المادية والمشاريع السينمائية، على العكس من معظم المجلات والصحف العربية، التي غالبا ما توفد كتابها المتخصصين الى هذه التظاهرة البصرية العريقة، لكن هذا لا يمنع تسجيل انطباعاتي من خلال متابعتي المهرجان " أون لاين" وبذا استطيع القول إن دورة هذا العام، التي اختارت لقطة من فيلم أكيرا كوروساوا العظيم " لحن في آب"(1991) شعارا لها، هي دورة إشكالية، أثارت اكثر من تساؤل ليس اقلها خروجها عن معايير هذه الاحتفالية البصرية بأعوامها الـ 77 ، اذ اقترب المهرجان من ثقافة التسطيح السائدة في عالمنا، وعلى الرغم من احتفائه بصناع السينما الكلاسيكيين الكبار امثال جورج لوكاس، الذي حصل على سعفة كان الفخرية، وكذلك منحه السعفة الذهبية لميريل ستريب، التي تعد واحدة من أعظم " المشخصاتية " في عصرنا، والاحتفاء بفرانسيس فورد كابولا وفيلمه الجديد " ميغالوبوليس"، الذي اخرجه كابولا في عمر الـ85، وخرج من هذه الدورة بلا جائزة ولا حتى تنويه.
ألقت السياسة واحتدم مشهد كوكبنا الأرضي بظلالها على المهرجان، الذي منع مديره تيري فريم المشاركين من طرح وترويج للقضايا السياسية، إلا ان هذا لم يمنع الكثير من المشاركين من ادانة ما يحصل في غزة، اذ صرح أكثر من ممثل ومخرج بإدانته لقتل الأطفال والنساء في غزة، فيما ارتدت الممثلة الاسترالية كيت بلانشت فستانا تشكل ألوانه مع البطانة ألوان العلم الفلسطيني، كما أعلنت نادين لبكي عضو لجنة تحكيم في المهرجان تضامنها مع أهالي غزة ، كذلك ارتدت المخرجة المغربية أسماء المدير فقازا بألوان العلم الفلسطيني، بالمقابل هنالك من تعاطف أو أعطى مشروعية للمجازر الصهيونية.
واحتفى المهرجان بفيلم المخرج الإيراني محمد رسولوف " بذرة التين المقدس"، الذي غادر إيران سرا عقب صدور حكم عليه بالجلد وثماني سنوات سجن، اذ وصل الى "كان " وحصل فيلمه على جائزة، وثمة فيلم آخر لعلي عباسي وهو إيراني مغترب يحكي عن شباب ترامب بطريقة كوميدية، فيما فتحت إدارة "كان" ذراعيها لمخرجين جدد من بلدان متنوعة، كما فازت أفلاما لصناع سينما شباب مصريين وهنود وصوماليين وسعوديين بجوائز مسابقات المهرجان.
عراقيا هنالك مشاركة تستحق الوقوف عندها، اذ استجاب صانع الأفلام الشاب المنتج محمد الغضبان الى دعوة المهرجان لحضور برنامج" صناع كان الشباب"، الذي يتضمن تطويرا وتدريبا وتلاقحا مع شركات الإنتاج، ما يعني أن الشباب العراقي السينمائي قد تخطى خطاب كهنة "المسيرة المخصية" لإنتاج الأفلام في
بلادنا.. وبحسب ما كتبه أحد نقاد السينما في صفحته الزرقاء، فإن "كان" الذي منح جوائزه الى أفلام" تدور مواضيعها حول الجنس والشذوذ، ولا تلقي بالا الى منجز كابولا، الذي قيمته مخرجة باربي ونادين لبكي، قد اقترب من التسطيح تماشيا مع تفاهة العصر.