بشرى البستاني
مطرٌ لؤلؤيٌّ ينهمرُ في البستانْ
ولحنٌ شجيٌّ يداعب بلابل الصباح
خمسون نورساً يدورون حول دجلة
أدور في فضائهم مغمضة العينين
يلوّحون لي بوردٍ أحمر
من أجنحتهم تتناثر الرياحين
وعلى الضفاف ترقص
خمسون صبية
بفساتين أرجوانية
على جباههنّ سنبلة ونجمة
وعاصفةٌ ربيعيةْ
وشتلة أمنيات
وأنا أمام صخرتين وبقعة دمْ
كنت جالسة على الأولى
والثانية بانتظارك
بين الصخرتين تطلع شجيرة تين
كان الربيع مخصباً هذه المرة
ناداني فجراً ..لم أسمع
ناديته ثانية .. لم يسمع
يضحك النهرُ من خيبتنا
وتتلفت الضفاف
والشجر الأليف يبحث عن أماسيه
أرتجف ارتجافة شتاء ضيعته الفصولْ
وأهدرتْ دمَهُ القبائل.
كانت المرأة تبكي
فقد تبرعوا لولدها بطلقةٍ على باب الدار
لم يكن يحمل سكينا
وليس في حزامه سلاحْ
كان يحمل حلوى لطفله الصغير ... بابا.
بكت هي الأخرى وأمرت الشعرَ أن يصمت
ويتضرعَ لعشبٍ وبراعم تشاكسُ الجفاف
لم تكن الوحيدة على الباب.
كانت على الأبواب ثانيةٌ وثالثةٌ، وعاشرةْ
وصوتٌ مُلتاعٌ يبحثُ عن صداه:
كانت الصحراء أمي والنخيلُ أبي
ولذلك نمنا جياعاً
وداهمنا ظمأٌ بطعم العلقم
هنالك بين أمانينا العلية
كنت أكتب يوميات أسرارنا الفادحة
وسيرةَ اللغة التي أحببناها
إذ يشتعل نَداها على شغاف الورد
تعالي أيتها الوردة الطالعة في السرِّ
تعالي.
وسط عشبٍ أرجوانيّ يداعبها الندى
فتفرش جناحيها
وتبتسم لسرب الفراش
تعالي أيتها الملكاتُ المزنّراتُ بالغبطة
بعشبٍ ينهض في غير أوانه
وبراعمَ تشاكس الجفاف
وتفتح عينيها لقدرٍ يخاتلُ أمواجه
ويعلن القطيعة
ولماءٍ ظل يهادنُ الجبل بالرغم مما كبلوه
**
على الأرضِ، على الأرض
الأرضِ التــي منحتــنــا
الوثيقةَ
وملأت جيوبنا بالحلوى
الأرضِ التي قالت لطفليَ الوحيدِ: لا تبكِ
ولشجرة الرمان تأهبي للقطافْ
كي أفصِّلَ الغيومَ الرصاصيةَ جلباباً لعورة حزني
فقد عادت الحمائمُ من جبل طارق
بجناحين مكسورينِ ونشيدٍ أعزلْ
وظل الطارقُ يبحث عن هويته الضائعة
وعن خمسين نجمةً وقمر
قمراً لا يدري أين يرسلُ أنواره
تحاصره أمنيةٌ مشاكسةٌ
وهتافُ ضفافٍ بعيدة
فأقفل دونه الأبوابَ وأمنحهُ المفاتيح.