القراءة وتطور القدرات الدماغيَّة للأطفال

منصة 2024/06/04
...

 ضحى عبدالرؤوف المل

تُحفّز القراءة عمق المشاعر المدفونة في الوعي، مما يسمح بتطوير القدرات الدماغيَّة التي نلمسها عند الأطفال الذين نقرأ لهم باستمرار، ومنذ السنوات الأولى.
كما أن للرسومات والألوان نوعًا مختلفًا من الإدراك، مما يُشبع الحاجة الجمالية الأساسية في النفس التي تبحث عن المتعة الذوقية، وهذا لا يختلف من ثقافة لأخرى، لكن يختلف من شخص لآخر في القدرة على تكوين الشعور والإحساس بعوالم الأدب والفن معًا.
هذا بحد ذاته يجعلنا نبحث عن الروايات وكتب الأدب للإحساس بالتذوق المتخيل أو الواقعي أو الفنتازي أو حتى التاريخي، وحتى في الفن التشكيلي والموسيقى وحتى الرقص.
ربما لاستكشاف الواقع من خلال الخيال الذي تثريه قطعة موسيقية أو لوحة فنية أو حتى عبر القصص الدرامية التي تُشكل حبكة متينة لرؤيتنا للعالم، كما هي الحال مع روايات أجاثا غريستي ومسرحيات شكسبير، وحتى موسيقى الفصول الأربعة أو حتى أغنيات أمهاتنا، ونحن ما زلنا نتعلّم المشي بخطوات هي الأسس في تكوين شخصية الفرد، والتي تخلق فينا الفضول في معرفة قيم الجمال منذ الطفولة التي نمارس فيها العديد من الفن دون إدراك من الآخرين، كجعلكة الأوراق والخربشة على الجدران، واللعب بالماء والمشي تحت المطر وبفطرة تنتمي لحاجة الإنسان لكل ذلك.
فلماذا نحب الأدب والفن إن لم نكن ننتمي لهما منذ الطفولة؟، ولماذا كان كراكوز وعواظ ومسرح خيال الظل والقصص الاجتماعية النابعة من مشكلات يشعر به الإنسان ولا يدرك عمقها إلا عندما يراها تنطق بحكمة في عمق وعيه، ويتم تحفيزها عبر شخصيات متخيلة.
فهل ينفي العلم كل ذلك ويتحدى الأدب والفن وهما الأساس في بناء الحضارات المختلفة والتي تنتمي في أغلبها للفن والجمال كما هي حال الأهرامات وآثار تدمر وبرج بابل وغيرها عبر العالم والتي تركت آثارها في الأدب والفن معًا؟، وهل يشحذ الأدب الذوق ويدفعنا نحو الإبداع خاصة في الفن والموسيقى والرقص؟، أم أن أفكارنا وعواطفنا وحواسنا تحتاج لتحفيز منذ الطفولة لإدراك أهمية كل ذلك فيما بعد؟، وهل ما قرأناه من قصص عالمية كانت هي الدافع لاستثارة الدماغ وإنتاج ملايين الأعمال الأدبيّة والفنيّة حول العالم؟.
يتسرّب معنى الجمال إلى النفس من الطفولة حتى الشيخوخة من المجرد إلى الملموس، وما بين المتخيل والواقع الذي يترجم كل ذلك، وإلا ما معنى القصص العالميّة التي رافقتنا في خيالنا الطفولي، وجعلتنا نبحث في ماهية حكاية ألف ليلة وليلة وقصص السندباد وقصص توم سوير، وهي الرواية التي تعود لعام 1876 وكتبها "مارك توين" وغيرها من الأعمال الأدبيّة التي دفعتنا إلى التفكير بالذوق الاجتماعي الذي يتمتع به توم سوير وعبر السياق الأدبي العالمي؟.  
تطورت المعرفة الأدبيّة عبر التاريخ والتأثيرات في الكتب التاريخية كثيرة جدًّا من كتب أمين معلوف وصولًا إلى كتب يوسف زيدان، والكتب التاريخيّة التي ابتعدت عن حقيقة التاريخ، واتجهت نحو الفنتازيا كنوعٍ ثانٍ ارتبط بتطور علم التاريخ المعاصر وتقليصه على مستوى اللوحة التشكيليّة أو الجداريات الشبيهة بتلك المنقوشة أو المحفورة على جدار الكهوف، واستطاعت فرض التأمّلات على الفكر المتذوّق للسرد البصري في مقاربات هي بحد ذاتها وسيلة لمعرفة الجمال الأدبي والفني عبر التاريخ.
فكم من فنان تأثر بالكتّاب أو بشخصية أديب كما هي الحال مع الفنان التشكيلي اللبناني "جورج عقل" المتأثر بالكاتب أوسكار وايلد بعيدًا عن قصص الحياة الواقعيّة، فالتأملات الجمالية في النص تفتح المساحات التخيلية نحو عوالم الجمال وتصوراتها في ذهن الفنان التشكيلي الباحث عن روح المعنى الذي يتأثر به، ويمنحه النماذج الفنية التشكيلية المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأدب، فماذا عن جداريات الحروب وروايات الحروب والتاريخ المرتبط حتى بالأحداث التي وثّقها دييغو فيلاثكيث في لحظة استسلام الجيش الهولندي، وهي لوحة "استسلام بريدا" كما هي الحال مع رواية الزنبقة السوداء للكاتب الفرنسي ألكسندر دوما.
فهل الأعمال الأدبية والتاريخية تؤثر في الأذواق وتقوم بفعل التكوين الذوقي على المتلقي؟، وهل الذوق هو القدرة على امتصاص جماليات المعنى في السرد الأدبي والفن التشكيلي؟، لكن أليست الموسيقى أيضًا هي شكل من أشكال الفعل الحسي المتأثر بكل ذلك؟، وماذا عن لوحات الفنان التشكيلي العراقي جبر علوان أو الفنان جودت خان والقدرة على الاختزال البصري بواسطة لوحة تجبرك على التذوق؟، وهل من أناقة ذوقيَّة تدفعنا نحو الإبداع بصورة تلقائيَّة؟، وهل اكتساب المعنى الجمالي يسبق التفكير بما هو من الواقع أو هو متخيل؟، أم أن كل ذلك يشحذ التفكير النقدي في العمل الأدبي والفني والسينمائي والموسيقي وغير ذلك؟.