القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي
لقد عاش الانسان منذ القدم و حتى يومنا هذا و هو يعاني من مشكلة الجريمة فهي ظاهرة إنسانية اجتماعية خطيرة تفشت في كل العصور وتصدت لها كل الشرائع و التشريعات لمكافحتها وتخليص البشرية منها و مع تطور التكنولوجيا تطورت وسائلها وأساليبها ومع ان حرية الفكر و الرأي و انتقال الأفكار واحدة من النعم التي انعم الله بها على الانسان وبها امتاز على الكثير من المخلوقات وان حرية النشر والإعلام حرية أساسية ذات قيمة كبيرة و يعد تطبيقها ضمانة أساسية لاحترام الحقوق والحريات الأخرى وعند ممارسة حرية الرأي و التعبير يجب عدم المساس بحريات الآخرين لان كل إنسان له ما للاخرين فإذا ما حدث هذا المساس يكون هناك تجاوز في استعمال حرية الراي و يكون هنا مجال التجريم و مع التطور في مجال استخدام التقنيات الحديثة وظهور مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها مواقع للتواصل مع الأصدقاء والأهل و تبادل المعلومات إلا ان البعض من ضعاف النفوس استغل هذه المواقع في ارتكاب جرائم التشهير والسب والقذف وارتكاب مختلف الجرائم من خلال إنشاء مواقع بأسماء وهمية الهدف منها ارتكاب مثل تلك الجرائم و قد صدر قرار من القضاء العراقي باعتبار جريمة إنشاء مواقع وهمية باعتبارها من جرائم التزوير حيث قضت محكمة استئناف محكمة المثنى بصفتها التمييزية بقرارها المرقم 57/ ت ج/ 2019 في 31 /3 /2019 حيث قضت محكمة جنح الخضر بحق مدان وفقا لاحكام المادة 363 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل و حكمت عليه بغرامة خمسمائة إلف دينار حيث جاء في القرار التمييزي ( لدى التدقيق و المداولة وجد ان الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية قرر قبوله شكلا و لدى عطف النظر على القرار المميز وجد انه غير صحيح و مخالف للقانون لان محكمة الجنح و من قبلها محكمة التحقيق قد اخطاتا في التكييف القانوني السليم لفعل المتهم ، ذلك ان المتهم المذكور قد اعترف صراحة في كافة أدوار التحقيق و المحاكمة بانشاء صفحة وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي باسم المشتكي ووضع صورة المشتكي الشخصية على تلك الصفحة و استخدمها للاساءة الى الاخرين نكاية بشقيق المشتكي لوجود خلافات شخصية معه و بلك انتحل اسم المشتكي و بياناته و هذا الفعل يشكل صورة من صور التزوير و بما ان المادة 286 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل قد عرفت التزوير بانه تغيير الحقيقة بقصد الغش في سند او وثيقة او باي محرر اخر بإحدى الطرق المادية او المعنوية التي بينها القانون تغييرا من شانه احداث ضررا بالمصلحة العامة او بشخص من الأشخاص و بذلك تكون كلمة (أي محرر اخر) الواردة في النص أعلاه يمكن ان تدخل تحت مفهومها المحررات غير الورقية كالمحررات الالكترونية و منها صفحات التواصل الاجتماعي التي لا يمكن فتحها او استخدامها الا بالاجابة عن بعض البيانات و ما يعزز هذا الاتجاه و يسنده ما ورد في المادة ( 1/عاشرا ) من قانون التوقيع الالكتروني و المعاملات الالكترونية رقم (78) لسنة 2012 و قد عرفت المستندات الالكترونية بانها المحررات و الوثائق التي تنشا او تبرمج او تخزن او ترسل او تستقبل بوسائل الكترونية بما في ذلك تبادل البيانات و على هذا الأساس لا بد من مواكبة التطورات الحاصلة في مجال تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات و أنشطة الانترنت بما ينسجم و التطورات القانونية في الحوادث الالكترونية و تطويع النص القانوني التقليدي بما يتلائم مع تلك الحوادث و حيث ان المتهم لم يقم بتحرف الصفحة الشخصية الحقيقية للمشتكي و انما اصطنع صفحة جديدة له غير حقيقية و نسبها للمشتكي بقصد الاضرار به و بذلك يكون فعله ينطبق و احكام المادة ( 292) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل و بما ان المتهم أيضا قد استخدم ذلك التطبيق فقد ارتكب فعلا اخر و هو الاستعمال وفق احكام المادة (298 ) من قانون العقوبات و بدلالة المادة (292 ) من ذات القانون باعتبارها جرائم ناتجة عن أفعال مرتبطة ببعضها ارتباطا يجمع بينها غرض واحد وفق احكام المادة ( 132) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل عليه و لكل ما تقدم تقرر نقض كافة القرارات الصادرة في الدعوى و إعادة الدعوى الى محكمة التحقيق ....) ونجد من القرار التمييزي اعتبر جريمة إنشاء الموقع الوهمي من جرائم التزوير المنصوص عليها في المادة 286 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل وليس وفق احكام المادة 363 من قانون العقوبات والتي حددت عقوبتها بالحبس مدة لا تزيد على سنه وغرامة في حال استخدام وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية و التسبب بإحداثإزعاجللآخرين وهي لاتنطبق على جريمة إنشاء مواقع وهميه أو استخدام صور الغير بإنشاء تلك الصفحات ونسبتها لصاحب ألصوره واعتبرت بموجب القرار التمييزي جريمة تزوير في محرر عادي وفقا لاحكام المادة (292 ) من قانون العقوبات و جريمة استعمال محرر مزور وفق احكام المادة (298 ) من قانون العقوبات و ان جريمة التزوير من الجرائم المخلة بالشرف وان جريمة اصطناع موقع وهمي من الجرائم الالكترونية و ان التطور في مجال استخدام الانترنت ووسائل الاتصال ألحديثه صاحبة ابتكار لطرق حديثة في الاجرام و ان النصوص القانونية المنصوص عليها في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل لم تعد تساير تلك الحالات و يجب تطويع النص القانوني و روح القانون كما ان نص المادة 286 ذكرت و أي محرر أخر و المطلق يجري على إطلاقه كما أنها ضمن باب انتحال شخصية سيما وان المتهم قد استخدم صورة المشتكي و انتحل شخصيته و مع ازدياد حالات إنشاء المواقع الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي فان الضرورة تقتضي التدخل التشريعي من قبل المشرع العراقي لتشريع قانون من قبل مجلس النواب العراقي يتضمن النص صراحة على هذه الحالات و تشديد العقوبة لهذة الجرائم لما تشكله من خطورة و تهديد للمجتمع العراقي.