هدى عبدالحر
اللعب والألعاب فسحة مهمة في حياة الطفل، ففيها يتشكّل خياله وتتكوّن شخصيته، بل إنّ هناك من علماء النفس، من يؤكد أن السنوات الخمس الأولى مهمة جدا في حياة أي إنسان وتبقى مؤثرة في حياته إلى الأبد. لأنّ فيها تبدأ تظهر مواهبه وتنمو مداركه النفسية والعقلية. وحرمانه من ممارسة حقّه في اللعب سيؤدي إلى نتائج وخيمة على صحته النفسية والعقلية.
وكانت الألعاب كثيرة ومتنوعة بعضها خاص بالذكور، وبعضها خاص بالإناث وبعضها مشترك يمكن لكليهما أن يلعبانه، مثل: "المحلقو، غميض الجيجو، القفز على الحبل وغيرها" وعند تأمل هذه الألعاب، سنجد أن بعضها يتعلق بالخفة والحركة والنشاط ويمرّن الجسد ويعوده على التعب والمقاومة، لأنه أشبه بالرياضة، بل هو رياضة فعلا، ولكن بطريقة مرحة ومشوقة. ومنها ألعاب ذهنية تمرّن الأفكار وتشتمل: لعبة جداول الأرقام، عدّ العشرات، ناهيك عن لعبة المعلم/ ة، كذلك ألعاب الدمى المصنوعة من البلاستيك أو القماش أو الإسفن ، وكيفية تصميم الملابس المختلفة لها من بقايا القماش وإعادة ترتب ما تلف منها استعانة بالإبرة والخيط. وكلّ هذه الألعاب تكون مشتركة مع أقران ممّا ينمي حبّ العمل الجماعي، ويعطي معنى للصداقة والزمالة بعيدا عن التعصب والتنمّر. أما الآن فقد تغير عالم اللعب والألعاب تغيرا جذريا، إذ صار مرتبطا بالتقنيات وهو عالم مريب في أكثر الأحيان، إذ تأتي هذه الألعاب من مجتمعات غير مجتمعاتنا وفيها من الدسّ الكثير، لأنّها موجهة في أكثر الأحيان.
نتجول الآن في الأسواق، فلا يرى غير الدمى الشقراء ذات العيون الخضراء، وهي التي تمثل بلا شك الجمال الأوربي. وبعيدة كل البعد عن ملامحنا المألوفة. فمن يتجول في الشوارع الآن وفي الأحياء الشعبية قد يجد أولادا يلعبون كرة القدم، ولكن نادرا ما سيجد فتيات صغيرات مجتمعات حول لعبة قديمة، فالكل متحلّق حول ألعاب إلكترونية تجعل الطفل يعيش داخل فقاعة مغلقة وتبعده عن التأثير المباشر لمن حوله، مما يعمق شعوره بالوحدة ويزرع في نفسه العدائية والشراسة والتنمر، لأنّ أغلب الألعاب قائمة على مبدأ الحروب والقتل والشراسة. وهذه الألعاب المغرية جدا ستكون بلا شك ولا ريب ذات أثر فعّال في تخريب شخصية الطفل، لأنه سيكون وكأنه قد عاش في فقاعة لوحده عن المجتمع ممّا يحوله إلى متبلّد المشاعر ولا يشعر بالآخر، فهو عنده مجرّد شخص وهمي من جانب آخر يلعب معه في حلبة القتال فقط. إن الكثير من الحوادث التي لها علاقة مباشرة بالألعاب وأثرها تنبئ ممّا يمكن أن يصل له الطفل لو ترك من دون لعب صحي. يوفر له القدر الأدنى من المشاركة مع أقرانه مما يجعله متفهما لقيمة الآخر في حياته. الألعاب عالم مهم وحيوي ومن الضروري التنبه له والعمل على تشجيع ما اندثر منها عبر إقامة مسابقات أو الحث من خلال وسائل التواصل على تشجيع اللعب بها.