الفلسفة في معالجة الصراعات

ثقافة 2024/06/10
...

  علي لفتة سعيد

يبحث المفكّر والمترجم والباحث الدكتور حسين الهنداوي عن العديد من الروابط التي تهتم بالتاريخ العراقي والعربي والعالمي، مثلما يهتم بالفلسفة الإنسانية التي أثّرت بالعالم.
وهو ما جعله يترجم كتاب "هيغل والفلسفة الهيغليّة" التي تشكو المكتبة العربية من نقص هكذا كتب. الهنداوي الحائز على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة بواتيه الفرنسية عام 1987 منشغل بنقل كلّ ما هو جديد، مثلما منشغلٌ بالكتابة أيضا لكلّ ما له أثر تنويري في الحضارة العراقية والعالمية.
ويظهر كتابه المترجم الذي صدرت طبعته من بيروت، أن الاهتمام بهيغل الذي توفّي قبل نحو قرنين من الزمن، أي في 1831م، يؤكد أهمية ما كتبه وما أثر في العالم وفلسفته وما يحدث من قبله من جدلٍ في الأوساط الثقافية والاجتماعية وحتى الدينية. وهو الأمر الذي دعا الدكتور الهنداوي إلى الترجمة لمعرفة أن الفلسفة الهيغلية لم تزل مؤثرةً بعد أن كانت قد أثّرت سابقًا حتى على فلسفة كارل ماركس وغيره من أساطين الفكر الفلسفي الحديث، ومنها المنهج الديالكتيكي، وكذلك البعد الفلسفي للتاريخ كنوعٍ ثقافيّ مهمّ في الحياة البشرية. وهذا ما جاء في القسم الأوّل.  أما القسم الثاني من الكتاب فقد تناول الفكرة الهيغلية أو جوهر الفلسفة الهيغلية ومدى العلاقة بينها وبين الدين، وكونها فكرًا تأمليًا يفضي إلى صيرورةٍ حتميةٍ في مجال التفاعل بين الفلسفة كنوعٍ من أنواع التمركز، والتي تحوي كلّ شيء في الحياة، بمعنى أن الفلسفة باعتبارها الحال الأبوي لكلّ شيء، ما دام الفعل التأمّلي روحها، والتأمّل التفكري معناها ومقصدها، فأنها أيّ الفلسفة تجعل المتأثّر بها بطريقةٍ مباشرةٍ يكون مع الواقع دون فكرٍ أيديولوجيّ محاصرٍ بالفكرة الحزبية مثلا، ولا تقبل بتبسيطٍ للأمور، ولا تعقيد لجوهر الأشياء.
والهنداوي يريد التركيز على أن فلسفة هيغل تدخل أعماق الأشياء، وتضفي عليها جمالية، وتزيل عنها الأوهام والتناقض الذي يحصل مع الأفكار الأخرى.
ولكنها أيّ هذه الفلسفة لا تؤدّي إلى ترهّل الأفكار أو لا تقبل صراعها الأيديولوجي، وهي تمنح الجدال فرصةً للقبول بالآخر، وهي بالتالي كما يقول الهنداوي ضرورة وحاجة للإنسان لأنها تخلّصه من تبعية الأفكار المحاصرة بما هو متعصّب وماكر وجاذب للفرقة، وحتى لو أدّت إلى المفارقة ربما، فإن الاستفادة منها تأتي بحاصل التفكير الواعي بما هو في الكون، بكلّ أبعاده المادية الروحية.  
والكتاب يريد اثباتًا إن هيغل أثبت صحّة أفكاره رغم تعرّضه إلى الازدراء حتى في بروسيا، رغم أنه أطلق عليه فيلسوف بروسيا، فقد تعرّض حتى إلى الشتم، لكنه ظلّ راسخًا في الفهم الفلسفي، في حين تم نسيان من شتموه، وازدروه، وامتّد تألّقه بعد أكثر من قرنٍ ليتألّق من جديدٍ، وينبثق لتكون أفكاره ممتدة إلى كلّ المناحي الفكرية الأخرى كالميتافيزيقيا والسياسة والتاريخ والفن، بل غطّت حتى على الأفكار الأخرى التي أرادت أن تضيّق الخناق على فلسفة هيغل، من أمثال الماركسية والبراغماتية والوجودية.
ويشير الهنداوي في الكتاب إلى أن الفضل يعود إلى تلاميذ الفيلسوف في إعادة الحياة إلى الفلسفة الهغيلية، فهي بالتالي جذوة لم تنطفئ، وهو ما كان قد حصل مع بداية القرن العشرين، حيث بدأ التلاميذ باكتشاف تلك الأفكار التي تغري بالواقع، وتفسّر الحقيقة، وتجّدد المعلومة والفكرة، وتتفاعل مع المتعة الروحية، وتتألّق مع الحجج المعرفية، لتكون حاملةً للدهشة والأسئلة معا، لتبدو راهنةً وتعيد إلى الأذهان كل ما هو مؤثّر بالعقل البشري نحو الرقي، خاصة وأنها أيّ هذه الفلسفة لا تكتفي بالأسئلة فقط، بل تسترجعها لتحضر بكامل الإجابة المعرفية، خاصة وأنه يعتمد في جانب على تطويره للمنهج الديالكتيكي، كما أنه يؤكّد على أهمية الأفكار في حسم ما هو متعلّق بالتاريخ الإنساني الفعلي الذي يعتمد بالضرورة على المتناقضات التي تتعاقب مع كلّ حقبةٍ وزمنٍ وصراع، لذا فإن الكتاب يريد التأكيد على نفعية الأفكار في معالجة القضايا الراهنة بصورةٍ إدراكية وموضوعية، وبهذا فالهيغلية هي فلسفةٌ تعين وتنفع هذا العصر الاصطدامي أو الممزّق، كونه يعتمد على الأفكار المادية أو السياسية الاستغلالية للبشر، ولا يجعل النوع البشري في المقدّمة بالضرورة.
والهنداوي من مواليد 1947 في مدينة الهندية بمحافظة كربلاء العراقية، حاصل على بكالوريوس في الفلسفة من كلية الآداب جامعة بغداد، العراق، دكتوراه في الفلسفة بدرجة شرف (بإشراف البروفيسور جاك دونت) من جامعة بواتيه (1987)– فرنسا، متخصص في الفلسفة الهيغيلية.
أصدر العديد من الكتاب منها (هيغل والإسلام) بالفرنسية و(التاريخ والدولة ما بين ابن خلدون وهيغل) و(على ضفاف الفلسفة) و(استبداد شرقي أم استبداد في الشرق)، وكذلك ترجم (هيغل والهيغلية) و (ولادة الكون لدى فرقة العليّلاّهيّة) (تأليف محمد مكري) له مجموعة  شعرية (أخاديد) ترجمت له عشرات المقالات إلى لغاتٍ أجنبية ونشر في الصحف العالمية منها  الصحف الأمريكية من بينها (الناشيونال انترست) و (الناشيونال رفيو) والواشنطن تايمز وغيرها. وحصل على العديد من الجوائز.
وترأس أو شارك عضوا في اتحادات أدبية وفكرية عديدة منها ريس مؤسسة عراق للابداع والجمعية الفلسفية العراقية في الخارج، وعضو دائم في نقابة الصحفيين البريطانية، وعضو في جمعية الصحفيين الاجانب في بريطانيا وترأس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، وعضو بعثة الامم المتحدة إلى هايتي بين 1993 و1995. ورئيس تحرير القسم العربي في وكالة انباء يونايتدبرس انترناشيونال منذ تأسيسه في 1995 حتى نهاية 2003.
ومؤسس القسم العربي في جامعة بواتيه الفرنسية والمحاضر الاساسي فيه بين 1982 و1985. فضلا عن مستشار لدى منظمة العفو الدولية ومبعوثها الخاص إلى لبنان في 1991 وإلى اليمن في 1992 ثم عضو وفدها إلى اليمن خلال الحرب الداخلية منتصف 1994.